السؤال الأخير أحسن الله إليكم، يقول: من أسرف في وليمة ويقول بأن الزائد سيعطيه للفقراء، فهل له وجه؟
هناك فرق بين الكرم وبين السرف، فالسرف لا يجوز مطلقًا، {وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [سورة الأعراف، الآية: 31]، لكن ليس معنى ذلك أن الإنسان لا يكون كريمًا، إبراهيم عليه الصلاة والسلام لما أتته الملائكة في صورة ضيوف على هيئة بشر ماذا فعل؟ أول مرة يراهم، أتى بعجل حينئذ، من أنفس المال عندهم في ذلك الزمن العجل، وحينئذ أيضًا مشوي، وقدمه إليهم، لاحظ الكرم العظيم! وهذا يدل على الكرم المحمود، فليس معنى ذمنا للسرف أن الإنسان لا يكون كريمًا بل كن كريمًا، فالكرم أن يكرم الضيوف ويأتي بما يكفيهم أو يكفيهم ويزيد قليلًا، لكن لا تكون الزيادة كبيرة، فمثلا إذا كان الضيف واحدًا لا يضع وليمة فيها عشرة صحون، هذا يعتبر إسراف، لكن لو قدم للضيف أكثر مما يأكله بقليل والباقي يصرفه للفقراء والمساكين فهذا من الكرم وليس من السرف، لأن المضيف يحتاط لأن هذا الضيف قد يأتي معه أشخاص أو قد يأتي معه من أصحابه، فهو احتاط لهذا، وأيضًا حتى لا يحتاج الضيف فلا يدري مقدار ما يأكل فهو يحتاط لذلك ويضع أكثر من حاجة الضيف، لكن لا تصل إلى حد الإسراف، فمثلاً إذا قدَّم للضيف يكون على كل صحن مَن يأكل، أما إذا قدم للضيف يكون الضيوف على صحن واحد وخمسة صحون ما عليها أحد، هذا يصل إلى الإسراف، ففرق إذًا بين الكرم وبين الإسراف وبين البخل، لاحظ الفرق بينها، البخل مذموم، والإسراف مذموم، والكرم مطلوب، والناس بفطرتها تفرق بين الكرم وبين الإسراف، إذا كان الإنسان كريمًا يوصف بأنه كريم ولا يقال إنه مسرف، أما إذا وصل إلى حد الإسراف؛ أتى بوليمة كبيرة فوق حاجة المدعوين بكثير فهذا يصل لدرجة الإسراف، والله تعالى يقول: {وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}، الكرم ممكن يرجع إلى ما ذكره الأخ السائل، إذا كان فوق حاجة الضيوف فالقدر الزائد يعطيه للفقراء والمساكين، لكن لا يصل إلى حد الإسراف، وليس هناك ضابط محدد نستطيع أن نفرق به بين الكرم والإسراف إلا العرف، المرجع في ذلك العرف، فالذي يفصل بين البخل والكرم والإسراف هو العرف، والناس في عرفها تفرق بين هذا وذاك.