قال: «ويُعفى في الصلاةِ عن يسيرِ دمٍ طاهرٍ» الدم سبق أن تكلمنا عنه في الدرس السابق وقلنا أنه نجس ونقلنا الإجماع على نجاسته، لكن المؤلف قال أن يسير الدم يعفى عنه، والمقصود بيسير الدم الطاهر مثل الإنسان والحيوان الطاهر ونحو ذلك، فهذا يعفى عنه مع أن كثير الدم نجس كما ذكرنا، وذلك لآثار وردت عن الصحابة -رضي الله عنهم- تدل على العفو عن يسير الدم، ومن هذه الآثار ما روي عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه عصر بثرة في وجهه فخرج منه دم فحكه وصلى ولم يتوضأ، وأيضا جابر -رضي الله عنه- خرج من أنفه دم فمسحه وصلى، وأبو هريرة -رضي الله عنه- خرج من أنفه دم فمسحه وصلى، وقال: "لا بأس بالقطرة والقطرتين"، وابن مسعود صلى وعلى ثوبه فرث ودم، وقال الحسن: "لم يزل المسلمون يصلون في جراحاتهم"، هذه الآثار وما جاء في معناها تدل على التسامح في الدم اليسير، إذًا الدم نجس إلا أنه يعفى عن يسيره، ما هو الدليل على العفو عن يسيره؟ هذه الآثار عن الصحابة التي ذكرناها وما جاء في معناها تدل على العفو عن يسير الدم.
قال: «وما تَولَّدَ منه» أي ما تولد من الدم في القيح والصديد فهذا يعفى عن اليسير منه، ونحن رجحنا -فيما سبق- أن القيح والصديد طاهر، وأن النجس فقط هو الدم، ولولا حكاية الإجماع لربما رجحنا القول بطهارته، لكن يشكل على ذلك حكاية الإجماع، فيبقى القيح والصديد على الأصل وهو الطهارة.