يقول سبحانه: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}]المؤمنون11:1[
الخشوع في الصلاة يا عباد الله هو أول خصلة من خصال هؤلاء المؤمنين المفلحين، جعله الله تعالى أول صفة وأول خصلة، بل إن الله سبحانه قدمه حتى على المحافظة على الصلاة، لأن الخشوع في الصلاة شأنه عظيم، وأجره جزيل، ولهذا إذا كبر المصلي في صلاته أقبل الشيطان عليه بخيله ورجله حتى يوسوس له وحتى لا يخشع في صلاته، لأن الشيطان الرجيم عدو الإنسان يعلم الأجر العظيم والثواب الجزيل المرتب عن الخشوع في الصلاة، الخشوع في الصلاة هو الذي يجد بسببه المؤمن لذة العبادة ويشعر بسببه بزيادة الإيمان، وإذا خشع المصلي في صلاته فإنه يشعر بالسكينة، ويشعر بالراحة، الصلاة الخاشعة هي التي تنهى عن الفحشاء والمنكر، فليحرص المسلم وليجاهد نفسه على الخشوع في الصلاة، فإنه روح الصلاة، وصلاة بلا خشوع كجسد بلا روح، وليس للمصلي من أجر صلاته إلا بمقدار ما عقل منها، وإن كانت تلك الصلاة وان كانت تلك الصلاة وإن لم يعقل منها شيئا تتحقق بها براءة الذمة لأنها مكتملة الأركان والشروط والواجبات، ولكن من جهة الأجر والثواب ليس له من الأجر والثواب على صلاته إلا بمقدار ما عقل منها، فإن عقلها كلها فهذه هي الصلاة العظيمة التي قال عنها بعض أهل العلم: "إنها تكفر حتى كبائر الذنوب" ولكن قل من يصل إلى هذه المرحلة أنه يخشع في جميع جميع صلاته من حين تكبيرة الإحرام إلى التسليم، وإن خشع في نصف الصلاة فله أجر النصف وإن خشع في ثلثها فله الثلث وإن خشع في ربعها فله الربع وإن خشع بمقدار العشر فله عشر الأجر وإن لم يخشع فيها كلها من حين أن كبر إلى أن سلم وهو في هواجيس ووساوس فهذا ليس له من أجر صلاته شئ، لكن تحصل بها براءة الذمة أي أنه لا يكون حاله كحال الذي لم يصلي، إنما تكفر نفسها وتحصل بها براءة الذمة، لكن ليس له من أجر صلاته إلا بمقدار ما عقل منها.
فختمت صفات هؤلاء المؤمنين المفلحين بقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ}]المؤمنون:9[ فهم مهتمون بشأن الصلاة اهتماما كبيرا، فهم يحافظون على الصلاة يحافظون على إقامتها في وقتها ويحافظون على أدائها مع جماعة المسلمين في المسجد، فالاهتمام بالصلاة عندهم كبير وعال، فالصلاة هي أول اهتماماتهم، ولهذا كانوا في صلاتهم خاشعين، ولا يخشع في صلاته إلا من اهتم بها وحرص على تحقيق الخشوع فيها وجاهد نفسه على ذلك. عباد الله، إن من كان الاهتمام إن من كان مستوى الاهتمام الصلاة عنده عال ورفيع، فإن الصلاة لن تفوته، ومهما وجد من العقبات والعراقيل لن تقف أمام هذا الاهتمام، ولهذا نجد بعض أهل الخير والصلاح لا يمكن أن تفوتهم صلاة الفجر مع الجماعة في المسجد إلا بعذر بأن يكونوا مرضى أو مسافرين، أما أن يكون في بيته صحيحا معافى فلا يمكن أن تفوته صلاة الفجر مع الجماعة في المسجد، وهكذا بقية الصلوات لأنه قد لأن هذه العبادة قد اهتم بها اهتماما كبيرا فهي أول اهتماماته، أما من كان مستوى الاهتمام بهذه العبادة ضعيف فإنه سيجد من الأعذار ومن العقبات ومن العراقيل ما يعيقه عن المحافظة على هذه الصلاة وعلى هذه العبادة، من لم تكن الصلاة أكبر اهتماماته فسوف يغلبه النوم وسوف يغلبه الكسل، ولهذا كلما قوي إيمان العبد كلما ارتفع مستوى الاهتمام بهذه العبادة وبهذه الصلاة، وإذا إراد الإنسان أن يعرف ميزان الإيمان عنده اليوم فلينظر إلى حاله مع هذه الصلوات الخمس هل هو يحافظ عليها مع جماعة المسلمين في المسجد؟ فإن كان كذلك فهذا دليل على أنه على خير وإلى خير وأن مستوى الإيمان عنده كبير، أما من كان يتخلف عن أداء الصلاة مع الجماعة في المسجد فهذا مؤشر على قلة اهتمامه بهذه العبادة ومؤشر كذلك على ضعف الإيمان عنده، فعليه أن يحاسب نفسه وأن يتفقد أمره قبل أن قبل أن تحين ساعة النقلة فينتقل من عالم الدنيا إلى عالم الآخرة ويندم حين لا ينفع الندم.
وانظروا إلى عناية القرآن بشأن الصلاة وكيف أن أول هذه الصفات متعلقة بالصلاة وآخرها متعلقة بالصلاة، فانظروا إلى عناية الشريعة بهذه العبادة العظيمة وتعظيم الشريعة بشأن هذه العبادة العظيمة، لأنها هي الصلة بين العبد وبين ربه سبحانه، فإذا قطع العبد الصلة بين ربه إذا قطع العبد الصلة بينه وبين ربه فإنه لا يكون له إسلام ولا إيمان صحيح، ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة)[مسلم: 256] .