الخثلان
الخثلان
صور الإسراف في الصدقة، والنهي عن ذلك
21 شوال 1437 عدد الزيارات 3747

عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (كُلْ، وَاشْرَبْ، وَالْبَسْ، وَتَصَدَّقْ فِي غَيْرِ سَرَفٍ، وَلَا مَخِيلَةٍ)[أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَأَحْمَدُ (6695)، وَعَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ قبيل (5783)].

في هذا الحديث النهي عن الإسراف في الصدقة، والمراد بها صدقة التطوع -كما سبق-، إذ لا يُتصوَّر الإسراف في الصدقة الواجبة، ومعنى الإسراف في صدقة التطوع: أن يتصدق صدقة تطوع ويترك أمرًا واجبًا عليه، من سداد دين أو نفقة أهل وأولاد، فهذا يدخل في السرف في الصدقة، إذ أن تصدقه صدقة تطوع مع ترك النفقة الواجبة عليه نوع من الإسراف.

ويدخل في ذلك أيضًا إعطاء المحتاج فوق حاجته بشكل كبير عند بعض أهل العلم، وبعضهم لا يعتبر هذه الصورة من الإسراف، والشيخ محمد بن عثيمين -رحمه الله- رجح أن هذه إسراف، كأن يأتي الشخص فيطلب مائة ريال فيعطيه عشرة آلاف ريال، قالوا إن هذه فوق حاجته، ولكن الذي يظهر هو التفصيل في ذلك؛ فإن كان إعطاؤه فوق حاجته مما ينتفع به ويستفيد منه فلا يدخل هذا في الإسراف، أما إذا كان إعطاؤه فوق حاجته مما يتسبب في إسرافه هو وتبذيره بأن يعرف بأنه سيء التدبير في المال، فقد يدخل هذا في الإسراف.

وذكر بعض أهل العلم صورة أخرى للإسراف في الصدقة وهي أن يتصدق بماله كله، قالوا فهذا نوع من الإسراف في الصدقة، ولذلك في قصة الثلاثة الذين خلِّفوا لما قال كعب بن مالك: إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة، قال: (أمسِك عليك بعضًا من مالِك)[رواه مسلم (2769)]، وكذلك أيضًا في قصة أبي لبابة قال: (أمسِك عليك بعضًا من مالِك)()[رواه ابن حبان (3371)]، ولكنه -عليه الصلاة والسلام- أقرَّ أبا بكر على تصدقه بماله كله، وهذا يشكل على هذا القول، فكيف نجيب عن قول أبي بكر؟ نقول: إن حالة أبي بكر حالة خاصة، إذا كان حاله من اليقين والإيمان والتوكل مثل أبي بكر فلا بأس أن يتصدق بماله كله، أما إذا كان مثل حال أكثر الناس فنقول أنه ليس له أن يتصدق بماله كله، فإذا تصدق بماله كله بقي أن يتكفف الناس ويسأل الناس، أو قد يندم ويتحسر، فنقول ليس له أن يتصدق بماله كله، ويدخل هذا في مسألة الإسراف في الصدقة.

إذن نقول: إن الأصل أن الإنسان يمنع من أن يتصدق بماله كله، إلا في أحوال خاصة؛ كأن يكون عنده قوة إيمان وتوكل ويقين مثل أبي بكر، فهذه أحوال خاصة ولا يقاس عليها، وإلا الأصل أن الإنسان يمنع من أن يتصدق بماله كله، وأن هذا داخل في السرف في الصدقة.

إذن: السرف في الصدقة -قلنا- يشمل الصورة المتفق عليها هي أن يترك النفقة الواجبة عليه، ويتصدق صدقة تطوع، وهناك صور مختلف فيها وهي الصورة الثانية والثالثة، وأما الصورة المتفق عليها فهي الصورة الأولى.

 

  • تاريخ ومكان الإلقاء: جامع الأمير مشعل بحي الخزامى - غرب الرياض