أجرت مجلة نون لقاء مع الشيخ الدكتور سعد بن تركي الخثلان، الأستاذ المشارك في كلية الشريعة ونائب رئيس الجمعية الفقهية السعودية، وقد نشر في العدد الأخير (30) من المجلة وفيما يأتي عرض لما جاء في اللقاء:
- وأنت أستاذ جامعي في كلية شرعية، كيف ترى حال الطلاب اليوم هل هناك حرص على طلب العلم وحماس على البحث أم فتور وضعف؟
حال الطلاب اليوم أقل مما كان عليه الطلاب في السابق، مع أن وسائل تحصيل العلم تيسرت في الوقت الحاضر أكثر من أي وقت مضى، فهناك الكتب المطبوعة الطبعات الفاخرة وفي شتى التخصصات، بل ومخدومة بالتخريج والتعليق، وهناك الدروس العلمية المنتشرة في كثير من المناطق، وقد كان السلف يرحلون لطلب العلم، وفي وقتنا الحاضر أصبح العلماء يرحلون لتعليم الناس!
وهناك الأشرطة المسجل عليها دروس لأبرز العلماء ويستطيع الطالب الاستماع عليها في أي مكان وأي زمان!
وهناك بعض القنوات الفضائية المتخصصة في الدروس والمناشط العلمية، ثم بعد ذلك عالم الحاسب العجيب الذي اختصر الكثير من الوقت لطالب العلم، وقد أصبح بالإمكان نسخ وتخزين ليس المئات بل الآلاف من الكتب في قرص صغير! ويستطيع طالب العلم الحصول على مايريد من معلومات في دقائق! لكن تبقى الهمة لطالب العلم هي الأساس وكما يقول أبو الطيب المتنبىء:
وما تنفع الخيل الكرام ولا القنا *** إذا لم يكن فوق الكرام كرام
وربما يكون من أسباب ضعف الهمة:
كثرة المغريات والملهيات التي أصبحت تسرق الوقت من الناس، ولكن هذا ليس عامًا لجميع الطلاب، بل هناك طلاب جادون ومتميزون وهممهم لطلاب العلم كبيرة ويؤمل فيهم الكثير من النفع لمجتمعهم وأمتهم.
- هل كلية الشريعة قادرة على تخريج القضاة والدعاة المؤهلين للميدان؟
نعم كلية الشريعة كانت ولا تزال قادرة على تخريج القضاة والدعاة والعلماء، وكثير من العلماء وممن تبوأ مناصب قيادية في الدولة من خريجي هذه الكلية المباركة، ولا تزال هذه الكلية من أبرز الكليات الشرعية في العالم الإسلامي، ولا تزال محتفظة بقوة مناهجها وتميز طلابها وأساتذتها، وتجد الكلية والجامعة عمومًا الدعم الكبير من ولاة الأمر وفقهم الله.
- ثار جدل كبير حول توسع جامعة الإمام في افتتاح أقسام طبية وهندسية مع أي الآراء يقف فضيلتكم (مع التوسع أو ضده)؟
جامعة الإمام متخصصة في العلوم الشرعية والعربية، كما نص على ذلك في قرار تأسيسها، ولا يعني ذلك التقليل من التخصصات الأخرى، ولكن احترام التخصص مطلوب، لكن تبقى المسألة محل اجتهاد ونظر، ونؤمل النفع والفائدة من الكليات غير الشرعية، وأن يكون لجامعة الإمام أثر في صبغها بالصبغة التي تتفق مع أهداف الجامعة.
- لكم اهتمام بعلم الفلك مع أن تخصصكم شرعي فما سر هذا الاهتمام؟
أولاً لا مانع من أن يكون لطالب العلم اهتمامات بعلوم أخرى خاصة إذا كانت سوف تسهم في إفادته في علوم الشريعة، وعلى سبيل المثال الإمام مالك رحمه الله كان له اهتمام ببعض علوم الفلك وله رسالة مشهورة في هذا، وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله من أبرز علماء المسلمين الذين لهم عناية بعلم الفلك، واهتمامي بعلم الفلك من قديم لكنني ركزت على مايخدم الجانب الشرعي كالأهلة ومواقيت الصلاة، فالأهلة الإشكالية فيها قائمة، ولا أدل على ذلك من تفاوت بلدان العالم الإسلامي في دخول شهر رمضان وعيد الفطر تفاوتًا يصل إلى ثلاثة أيام وفي بعض السنوات وصل الاختلاف إلى أربعة أيام، والجميع يدعي أنه يعتمد على الرؤية في لإثبات دخول الشهر، مع أن مثل هذا الاختلاف الكبير لم يكن موجودًا من قبل ، وإن كان قد يوجد اختلاف في يوم واحد فقط كما في قصة كريب لما سأله ابن عباس رضي الله عنهما فكان صيام أهل الشام ليلة الجمعة وصيام أهل المدينة ليلة السبت بسب اختلاف المطالع أو بسبب عدم وجود وسيلة اتصال سريعة فعمل أهل كل بلد في ذلك الحين حسب اجتهادهم، وفي وقتنا الحاضر ومع وجود وسائل الاتصالات السريعة التي جعلت العالم كالقرية الصغيرة يصل الاختلاف إلى ثلاثة أو أربعة أيام ، وهذا يدل على وجود إشكالية إما في فهم هذا الأمر في الشريعة أو في طريقة الإثبات، وينبغي أن تتضافر الجهود لحل هذه الإشكالية أو تضييق الاختلاف ورد الأمر على ما كان عليه في صدر الإسلام، وكذلك مواقيت الصلاة وهي وإن كانت قد خدمت من الجانب الفقهي كثيرًا، لكنها من الناحية الفلكية لم تخدم أو بعبارة أدق لم نقف على كتب مطبوعة خدمت هذا الجانب، مع أن التقاويم في العالم الإسلامي تعتمد على هذه العلامات، والناس في الوقت الحاضر تعتمد اعتمادًا كاملاً على التقاويم، وآمل أن أسهم في تقديم شيء ينفع الأمة في هذا الجانب، خاصة وأن مايوجد من كتب مطبوعة في هذا قليلة جدًا والله المستعان.
- يلمس المتابع أن هناك عزوف واضح وحضور ضعيف للدروس العلمية والمحاضرات الشرعية التي تقام في المساجد، لماذا في نظرك وكيف يمكن تجاوز هذا العزوف؟
أولاً لا أسلم بما ذكر، بل هناك إقبال وحرص من كثير من الطلاب، وعلى سبيل المثال درسنا الأسبوعي الذي يقام في جامع الأميرة سارة بنت سعد بعد صلاة العشاء من كل يوم إثنين يحضره مايقارب 200 طالب إلى 250 وقد يقل العدد عن هذا الرقم أحيانًا بسب ظروف الاختبارات، كما أن الدورات العلمية وبخاصة التي تقام في الإجازة الصيفية تشهد إقبالًا كبيرًا، لكن قد يلاحظ أن هناك فتورًا وضعفًا في الهمة لدى بعض الطلاب كما أشرت إلى ذلك في إجابة السؤال الأول وبينت الأسباب لذلك.
- لكم تواجد جيد في القنوات الفضائية، ماتقييمكم لهذه التجربة؟
جيدة للغاية، بل أرى أن القنوات المحافظة قد تأخرت كثيرًا في الظهور، وكان ينبغي أن تسبق في هذا الميدان، لكن ولله الحمد القنوات الفضائية المحافظة أثبتت وجودها وكان لها الأثر الكبير في دعوة الناس إلى الخير، وفي نشر العلم الصحيح، وبث الوعي في كثير من القضايا، بل إنني أقول إن هذه القنوات أسهمت في إبراز طلاب علم ومفتين ودعاة مغمورين، وإن كان قد يكون عليها بعض الملحوظات، ولكن هذا أمر متوقع فمن يعمل ليس معصومًا عن الخطأ، لكن الذي لا يعمل هو الذي لا يحسب عليه أخطاء!، ولكن الأخطاء تعالج والنقص يسدد، وأسأل الله تعالى أن يبارك في الجهود ويسدد الخطى.
- رسالة توجهها لكل من:
سماحة المفتي
سماحة المفتي هو والدنا وشيخنا، وأقترح على سماحته استقطاب أبرز طلاب العلم، وتفريغهم للفتيا، مع فتح فروع لدار الإفتاء في جميع مناطق المملكة، فإن الناس بحاجة ماسة للمفتين، ولا أدل على ذلك من السيل الكيير والأسئلة التي ترد المشايخ، وربما لا يستطيع كثير من المشايخ الإجابة على كثير من هذه الأسئلة بسب كثرتها وانشغاله بمهام أخرى، وحاجة الناس إلى العلماء لا تقل عن حاجتهم إلى الأطباء، بل ربما تكون أشد كما قرر ذلك ابن القيم رحمه الله، كما أقترح استقطاب مستشارين في دار الإفتاء في أبرز التخصصات لتكون معينًا للمفتين على تصور كثير من المسائل المستجدة والنوازل.
وزير العدل
معالي وزير العدل الدكتور محمد العيسى يؤمل منه الشيء الكثير، ومن أبرز ما يؤمل من معاليه وضع الآلية الكفيلة بإنجاز القضايا وعدم تأخيرها، وتأخر الكثير من القضايا في الوقت الحاضر شهورًا وربما وصل بعضها إلى سنوات يدل على وجود مشكلة، وأن الأمر بحاجة إلى معالجة، وإلا ففي عهد النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين من بعده إلى وقت ليس بالبعيد يكون الحكم والتنفيذ في قضايا القتل والرجم وقطع السارق في ساعة واحدة!