بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واتبع سنته إلى يوم الدين، أما بعد:
فهذا هو المجلس الثالث من مجالس الدورة العلمية في النوازل المعاصرة في العبادات، النوازل والمسائل المعاصرة في العبادات، وكنا في المجلس الأول ذكرنا مقدمة تأصيلية، ثم في المجلس الثاني أبرز النوازل في كتاب الطهارة وكتاب الصلاة. وفي هذا المجلس نبتدأ بأبرز النوازل في كتاب الزكاة.
أبرز النوازل في كتاب الزكاة نصاب الأوراق النقدية، وكان الناس قديمًا في التعامل، كانوا يتعاملون بالمقايضة، هذا يعطي هذا سلعة مقابل سلعة أخرى، ثم بعد ذلك تطور الأمر، فأصبحوا يتعاملون بالذهب والفضة، ثم صك من الذهب الدنانير، ومن الفضة الدراهم، فأصبح الناس يتعاملون بالدراهم والدنانير.
قد ذكرت الدراهم والدنانير في القرآن الكريم في أكثر من موضع، وهذا هو الذي كان عليه الأمر في عهد النبوة، كما قال الله تعالى: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا} [آل عمران:75].
فوردت لدراهم والدنانير في القرآن الكريم، وأيضًا كان عليها عمل الناس في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ثم استمر الأمر على ذلك في العصور الماضية، أما في هذا العصر الذي نعيشه، فقد استحدثت الأوراق النقدية، وكانت الأوراق في أول الأمر الأوراق نقدية مغطاة، ولذلك قديمًا وربما كبار السن يكونوا أدركوا هذا، كان يكتب على الريالات تتعهد مؤسسة النقد العربي السعودي بأن تدفع لحامل هذا السند ما يقابله، أو كذا أو عبارة نحوها، أدركت هذا، يمكن بعضكم أدرك هذا قديمًا.
فكان يعتبر هذا سند مقابل غطاء في مؤسسة النقد، ثم بعد ذلك أصبح الغطاء ليس شرطًا، فأصبحت القوة الاقتصادية للدولة وما لديها من احتياطات وعملات صعبة هي التي تحدد قيمة العملة، فما تطبعه الدولة من أوراق نقدية الآن ليس بالضرورة أن يكون مغطاة تغطية كاملة.
بل حتى ربما ولا النصف أيضًا، لكن لها معايير دولية متفق عليها، غير التغطية بالذهب والفضة، فأصبح عمل الناس الآن، وتعاملات الناس بالأوراق النقدية، بالريالات والجنيهات والدولارات واليورو وغيرها.
هذه الأوراق النقدية برزت في الوقت الحاضر، وهي تعتبر من النوازل، والذي استقر عليه رأي معظم العلماء المعاصير، وهو رأي المجامع الفقيه والهيئات العلمية ومن هيئة كبار العلماء، أن الأوراق النقدية تعتبر نقدًا قائمًا بذاته، كقيام النقدية في الذهب والفضة، وأن العلة فيها الثمنية.
وعلى هذا فيتعامل بهذه الأوراق النقدية كما يتعامل بالدنانير والدراهم، لكن برزت إلينا الآن قضية أخرى وهي نصاب الأوراق النقدية، الأوراق النقدية نحن ذكرنا أنها تعتبر كالدراهم والدنانير، والدراهم والدنانير ذكر الفقهاء السابقون أنها من الأموال النامية، فتجب فيها الزكاة بكل حال، و على ذلك الأوراق النقدية أيضًا، يعني إذا كان عندك أوراق نقدية بلغت النصاب تجب فيها الزكاة، بغض النظر عن الغرض الذي ادخرتها لأجله، حتى لو ادخرتها للزواج، أو لبناء مسكن، أو للنفقة، أو لأي غرض.
ما دام بلغت نصاب وحال عيها الحول ففيها الزكاة، وعلى ذلك تجب الزكاة في الحسابات الجارية إذا بلغت النصاب، لكن الآن نريد معرفة النصاب، نصاب الذهب معروف، نصاب الفضة معروف، لكن نصاب الأواق النقدية كيف نحسب نصاب الأوراق النقدية؟
رجل يقول عندي نصف ريال حال عليها الحول هل فيها زكاة؟ إذًا لا بد من معرفة النصاب، ما مقدار النصاب؟ اختلف العلماء المعاصرون في مقدار النصاب على قولين، القول الأول: أن نصاب الأوراق النقدية هو نصاب الذهب، وعلل أصحاب هذا القول قالوا: لأن نصاب الذهب مقارب لنصاب الأغنام والإبل ونحو ذلك.
والقول الثاني: أن نصاب الأوراق النقدية هو نصاب الفضة، وقالوا إن هذا هو الأحظ للفقراء والمساكين، ولأن غالب التعامل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو بالفضة أكثر من الذهب، يعني بالدراهم أكثر من الدنانير، والقول الراجح في المسألة وهو الذي أقرته المجامع الفقهية وهيئة كبار العلماء: أن نصاب الأوراق النقدية هو أدنى النصابين من الذهب أو الفضة.
لأن هذا هو الأحظ للفقراء والمساكين، ويعني في الأعم الأغلب أن الفضة أرخص من الذهب على مر الأزمان والأعصار، لكن قد تكون حالات نادرة، تكون الفضة أغلى من الذهب، ولذلك احترزوا فقالوا: أدنى النصابين من الذهب أو الفضة.
وأما قول من قال بأن نصاب الذهب مقارب لنصاب الأغنام والإبل، فهذا غير صحيح، فنصاب الذهب في عهد النبي صلى الله عليه وسلم عشرون دينارًا، والأغنام والإبل أسعارها تتفاوت، في حديث عروة بن الجعد أنه اشترى شاة بدينار، ثم باعها واشترى بالدينار شاتين.
فمعنى ذلك عشرون دينارًا يحتمل أن تكون عشرين شاة ويحتمل أن تكون أربعين شاة، ثم أيضًا هذا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، العصور التي بعده؟ فأسعار الإبل والغنم والبقر تختلف، فمثل هذا التعليل غير مسلَّم، ولذلك فالأقرب هو أن يقال أن نصاب الأوراق النقدية هو أدنى النصابين من الذهب أو الفضة.
والفضة الآن أرخص في وقتنا الحاضر من الذهب بكثير، وعلى هذا فنصاب الأوراق النقدية في وقتنا الحاضر هو نصاب الفضة، كيف نحسبها؟ نريد الآن نحسبها بالريال، وأنا أعطيكم قاعدة احفظوها، تستطيع من خلال هذه القاعدة أن تعرف مقدار نصاب الأوراق النقدية في أي وقت.
لأن لو أعطيتك الآن رقمًا، فهذا الرقم يتغير، لكن أنا أعطيكم قاعدة تستفيدوها من هذه الدورة، إذا ضبط هذه القاعدة تستطيع معرفة نصاب الأوراق النقدية في أي وقت، نحن قلنا إن الراجح هو أن نصاب الأوراق النقدية في الوقت الحاضر هو نصاب الفضة، كم نصاب الفضة؟ نصاب الفضة بالجرامات: خمسمائة وخمسة وتسعين.
فمعنى ذلك إذا أردنا أن نعرف نصاب الريالات فتضرب سعر الجرام من الفضة في خمسمائة وخمسة وتسعين، كيف نعرف سعر الجرام من الفضة بالريالات؟ يعني كان في السابق يقال يرجع لمحلات الذهب والفضة، وأيضًا تقديراتهم مختلفة، غير دقيقة، لكن في الوقت الحاضر مع وجود الأنترنت أصبح سهلًا جدًا أن تعرف مقدار الفضة على مدار الساعة.
هناك مواقع على الأنترنت تحدد لك سعر الجرام من الفضة على مدار الساعة، يحدد على مدار الساعة، وسعر الجرام من الذهب أيضًا، نوضح هذا بمثال تطبيقي، أنا اليوم دخلت على أحد المواقع، حساب جرام الفضة من الريالات، قالوا إنها اليوم سعر الجرام من الفضة بالريالات اثنان فاصل اثنين وعشرين، يعني ريالان واثنين وعشرين هللة.
فنضرب الآن تابعوا معنا، اثنان فاصل اثنين وعشرين، في خمسمائة وخمسة وتسعين، كم النتيجة؟ من يحسبها لنا بالآلة الحاسبة؟ من السريع منكم؟ ألف ثلاثمائة وعشرين كسر فاصل تسعة، يعني نجبرها، تعرفون الجبر إذا كان أكثر من خمسة يجبر، يلحق بالرقم الأعلى، أقل من خمسة يجبر إلى أسفل، فتصبح ألف وثلاثمائة وواحد وعشرين ريال.
إذًا يكون نصاب الأوراق النقدية بالريالات، أو نصاب الريالات لهذا اليوم السبت الخامس من شهر صفر من عام ألف وأربعمائة وثمانية وثلاثين للهجرة هو ألف وثلاثمائة وإحدى وعشرون ريالًا، ألف وثلاثمائة وواحد وعشرون ريالًا.
من ملك هذا المبلغ ألف وثلاثمائة وإحدى وعشرون، وحال عليه الحول ففيه الزكاة، لكن هل هذا الرقم ثابت؟ هذا الرقم ليس ثابتًا، يمكن غدًا لو أردت أن تحسب نصاب الريالات ربما تجد أن الرقم قد تغير زيادة أو نقصًا تبعًا لأسعار الأفضل، لكن هذا يعطيك مؤشر في هذا القدر تقريبًا.
إذًا المعادلة إذا أردت أن تعرف نصاب الأوراق النقدية في أي وقت أدخل على المواقع أكتب في محرك البحث: سعر الفضة بالجرام بالريال السعودي مثلًا يخرج لك الموقع، إذا كتبت سعر الفضة فقط بالجرام يخرج لك بالدولار، الدولار تحتاج إلى عملية أخرى حتى تحول الدولارات لريالات.
هناك مواقع اختصرت لك المسألة، فتكتب سعر الجرام من الفضة بالريالات، يخرج لك أكثر من موقع، ويعطيك سعر الجرام من الفضة، ويحدث لك هذا الرقم كل ساعة، تأخذ هذا الرقم وتضربه في كم؟ في خمسمائة خمسة وتسعين، يخرج لك نصاب الأوراق النقدية بالريالات.
يعني أنا في كل عام أحدث هذا الرقم في رمضان، وأيضًا في مثل هذه الدورات يعني نأتي بحساب سعر جرام من الفضة بالريالات نضربها في خمسمائة خمسة وتسعين، لكن إذا حفظت هذه المعادلة تستطيع معرفة النصاب في أي وقت، لو أردنا أن نعرف النصاب على قول من قال بأن نصاب الأوراق النقدية بالذهب وليس بالفضة، حتى نعرف الفرق.
فمعنى ذلك أننا نرجع لسعر الجرام من الذهب الخالص، لأن الذهب تعرفون أنه أعيرة، في الذهب الخالص الذي هو عيار كم؟ أربعة وعشرين، وفي ذهب أقل منه الذي هو عيار واحد وعشرين، في أقل منه ثمانية عشر، لأنه إذا لم يكن خالصًا، معنى ذلك أنه مخلوط بغيره، مخلوط بالنحاس، مخلوط بمواد أخرى.
لكن الكلام هنا في الذهب الخالص الذي هو عيار أربعة وعشرين، فنقول نصاب الجرام من الذهب الخالص، نضربه في نصاب الذهب، كم نصاب الذهب؟ خمسة وثمانين جرام، الذهب اليوم مائة خمسة وسبعين لا، مائة سبعين وخمسين، اضرب مائة سبعة وخمسين في خمسة وثمانين: ثلاثة عشر ألف وثلاثمائة واثنين وخمسين.
لاحظ الفرق بين ألف وثلاثمائة وواحد وأربعين وثلاثة عشر ألف وثلاثمائة واثنين وخمسين، فرق كبير، فيعني ثمرة الخلاف بين القولين كبيرة، فكيف هؤلاء الذين يملكون مثلًا عشرة آلاف، وإحدى عشر ألف، واثنا عشر ألف ويحول عليها الحول ونقول ما فيها زكاة، هذا بعيد.
فالراجح أننا نجعل نصاب الأوراق النقدية ونصاب الفضة، ولذلك نضرب سعر الجرام من الفضة في خمسمائة وخمسة وتسعين يخرج لنا نصاب الأوراق النقدية.
على ذلك من عنده ألف ريال وحال عليها الحول هل فيها زكاة؟ ما فيها زكاة، ومن عند ألفا ريال فيها زكاة، قد يقول قائل كيف ألفا ريال فيها زكاة؟ هذا إنسان فقير، نقول كم الزكاة الواجبة فيها؟ خمسين ريال، يعني مبلغ بسيط أيضًا، على قدر صغر المبلغ الزكاة قليلة مبلغ قليل، {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة:103]. فإذًا هذا كلام أهل العلم في نصاب الأوراق النقدية.
تأتينا بعد ذلك زكاة الدخل الشهري، الدخل الشهري سواء كان من راتب وظيفي أو من مكافأة أو من راتب تقاعدي أو من غير ذلك، أصبحت معظم دخولات الناس شهرية، ونحن قلنا أن النصاب هو نصاب الفضة، يعني في هذا الوقت ألف وثلاثمائة وواحد وأربعين.
على ذلك نقول: إذا بقي من دخلك ألف وثلاثمائة واحد وأربعين فأكثر سنة كاملة ففيها الزكاة، هذا من الناحية النظرية واضح، لكن من الناحية العملية هذا الذي عنده الآن حساب جاري، والآن يعني عامة الناس لهم حسابات جارية في البنوك.
يقول أنا عندي حساب جاري وهذا الحساب أصرف منه ويدخل فيه في نهاية كل شهر دخل شهري أصرف منه، نحن قلنا إذا كان عنده ثلاثمائة واحد وأربعين فأكثر، ومضى عليه سنة فيه الزكاة، يقول ما أدري، يعني معظم الناس يجيب بهذا الجواب، يقول ما أدري، أنا أصرف، ويعني يدخل فيه في نهاية كل شهر دخل وأصرف منه، مصاريفي أسحب منه، عن طريق بطاقة الصراف أسحب منه.
يعني ما يقول ما أستطيع أنني أحصي، ما الذي حال عليه الحول؟ والذي لم يحل عليه الحول، فهنا نقول بالنسبة للزكاة، إذا كنت لا تدخر شيئًا من دخلك الشهري، فليس عليك زكاة، بعض الناس ما يدخر شيئًا، نهاية الشهر ما عنده شيء، يعني راتبه لا يدخر منه شيئًا، بل ربما نهاية الشهر ينتظر حتى يخرج الراتب ليشتري حوائج له.
هذا لا زكاة عليه، لأنه لا يدخر شيئًا، إذًا الزكاة تجب في حق من؟ في حق من يدخر شيئًا من دخله الشهري، إذا كان ما يدخره قليلًا، أقل من ألف ثلاثمائة واحد وأربعين، فهذا أيضًا لا زكاة عليه، لماذا؟ لأن ما عنده أقل من النصاب، إذا كان ما يدخره قد بلغ النصاب فأكثر، بلغ ألف وثلاثمائة وواحد وأربعين فأكثر فهنا عليه الزكاة كيف يزكي؟
هناك طريقتان، الطريقة الأولى: أن يحصي ما حال عليه الحول فيزكيه، ويمكن أن يستعين في ذلك بطلب كشف حساب بنكي، وينظر للرصيد هل ينظر لأعلى رقم في الرصيد أو أدنى رقم في الرصيد؟ إذا أراد يزكي مثلًا عن السنة الماضية طلب كشف حساب بنكي، كشف حاب البنكي يعطيه بيانات الرصيد، سنة كاملة، عملية سحب كذا وعملية سحب كذا، وبجوارها الرصيد كذا.
عندما يريد أن يعرف المبلغ الذي حال عليه الحول هل ينظر لأقل رقم للرصيد أو أعلى رقم للرصيد؟ أقل رقم للرصيد، لأن أعلى رقم في الرصيد ما حال عليه الحول، الزيادة هذه ما حال عليها الحول، فمعنى ذلك أنه ينظر لأقل وأدنى رقم للرصيد فيزكي، هذه طريقة.
الطريقة الثانية: وهي لا تحتاج لطلب كشف حساب بنكي، وهي أيضًا أسهل واضبط وأحوط، أن يحدد له تاريخًا في السنة، ولنفترض مثلًا أنه حدد غرة شهر رمضان، فينظر إلى رصيده في هذا التاريخ كل عام، فيزكي جميع الرصيد سواء حال عليه الحول أو لم يحل عليه الحول، ما حال عليه الحول أمره ظاهر، وما لم يحل عليه الحول ينوي به تعجيل الزكاة.
وتعجيل الزكاة قد وردت به السنة قد تعجل النبي صلى الله عليه وسلم زكاة عمه العباس، وبذلك لا ينظر لزكاة رصيده إلا مرة واحدة في السنة فقط، كلما أتى واحد رمضان زكى جميع ما عنده من الرصيد، هذه الطريقة أسهل وأحوط وأضبط، وإن شاء اتخذ الطريقة الأولى.
لكن الطريقة الأولى تحتاج إلى كشف حساب بنك وينظر لأقل رقم في الرصيد، هذه طريقة زكاة الحساب الجارية.
ننتقل بعد ذلك إلى مسألة أخرى من النوازل في الزكاة وهي: حكم صرف الزكاة لبناء شراء بيت لفقير أو مسكين، من المعلوم أن السكنى ضرورة للإنسان، لا بد له من بيت يؤويه، فهو من ضرورات الحياة، والسكنى إما أن تكون بطريق الاستئجار أو بطريق التملك.
بعض الناس عنده بيت ملك يسكن فيه، وبعض الناس يستأجر بيتًا فهو بذلك يملك المنفعة خلال مدة عقد الإجارة، إعطاء الفقير أو المسكين مبلغًا من المال يستأجر له به بيتًا، هذا لا بأس به، ولا إشكال في هذا، ولكن بعض الفقراء يقول إلى متى سأستمر في طلب الزكاة لسداد الإيجار؟ أريد أن تشتروا لي بيتًا أو تبنوا لي بيتًا حتى يسد حاجتي طيلة عمري ولا أحتاج إلى أن أطلب كل عام أطلب الزكاة.
فهل هذا يجوز هذا أم لا؟ هذه المسألة هي نازلة، لأنها لم تكن معروفة لدى العلماء السابقين، أو لم تكن ظاهرة، وكان الناس في الزمن السابق كانت الأراضي عندهم مجانًا، ما كان لها أسعار مثل أسعارها الآن، كانت مجانًا فكان فقط تكلفة البناء، إنما هو في بناء البيت فقط، وكان يبنى بالطين واللبن، ما كانت عندهم أزمة سكن.
فما كان يكلفهم أصلًا السكن يعني شيئًا كبيرًا، لأن الأراضي عندهم مبذولة مجانًا أو شبه مجان، وإن بيعت داخل البلد تباع بأسعار زهيدة، والبناء أيضًا عندهم غير مكلف، الطين واللبن والتسقيف بجذوع النخل ونحو ذلك والجريد.
فلم يكن أصلًا البناء مكلفًا، ولم تكن هناك أزمة سكن أصلًا عندهم كما هو واقع الآن في وقتنا الحاضر، ولذلك لم يكونوا بحاجة لبحث مثل هذه المسائل، أما في وقتنا الحاضر فقد أصبحت الآن مشكلة السكن من أعقد المشاكل.
ويعني الدولة هنا في المملكة دولة أيدها الله، أنشأت وزارة خاصة بالإسكان، وزارة الإسكان، خاصة بالإسكان فقط، فالآن بعض الناس يقول أريد أن تعطوني بيتًا ملكًا، اشتروا لي بيت حتى أسد حاجتي طيلة عمري، أو ابنوا لي بيتًا، فلو أراد بعض المحسنين قال أنا أريد أن أبني وحدات سكنية وأملكها لهؤلاء الفقراء لكن من أموال الزكاة، أو أريد أن أشتري بيوتًا وأملكها لهؤلاء الفقراء لكن من أموال الزكاة، هل هذا يجوز أم لا؟
هذه هي النازلة، هذا النازلة يمكن تخريجها على مسألة فقهية ذكرها الفقهاء السابقون وهي مقدار ما يعطى الفقير والمسكين من مال الزكاة، فما مقدار ما يعطى الفقير والمسكين من مال الزكاة؟ اختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنه يعطى أقل من النصاب، فإن أعطي نصابًا أو أكثر جاز مع الكراهة، وهذا هو مذهب الحنفية، قالوا لأن إعطاء الفقير نصابًا أو أكثر يصيره غنيًا، والغنى في كل شيء بحسبه، فالغنى في باب الزكاة هو أن يملك نصابًا فأكثر.
ونوقش هذا الاستدلال بعد التسليم بأن الغنى يحصل بهذا المقدار، فنحن ذكرنا قبل قليل أن مقدار النصاب ألف وثلاثمائة وواحد وأربعين، فهل من ملك هذا المبلغ أصبح غنيًا، كثيرًا من الفقراء يملكون أضعاف هذا المبلغ وهم فقراء، فلا يسلم بهذا القول، ولهذا فهذا القول هو أضعف الأقوال.
القول الثاني: أنه يعطى الفقير من الزكاة ما تحصل به الكفاية على الدوام، وهذا هو المذهب عند الشافعية ورواية عند الحنابلة، واستدلوا بحديث قبيصة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تحل المسألة إلا لأحد ثلاثة» وذكر منهم: «رجلًا أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجا من قومه لقد أصابت فلان فاقة فحلت له المسألة، حتى يصيب قوامًا من عيش».
وجه الدلالة قالوا أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز للمحتاج المسألة حتى يصيب ما يسد حاجته، فدل هذا على أنه يشرع إعطاؤه ما تحصل به الكفاية على الدوام، ونوقش هذا بأن المقصود بالغنى في الحديث حديث قبيصة الغنى المقيد، لا المطلق، بدليل قوله قوامًا من عيش، فلا يصح الاستدلال به على هذه المسألة، هو خارج عن محل النزاع.
ثم إن قولهم هو يعطى بما تحصل به الكفاية على الدوام، معنى ذلك أنه يعطى ما يصبح به غنيًا طيلة عمره، وهذا لا يمكن ضبطه، لو أردنا الآن أن نعطي شخصًا ما يصبح به غنيًا طيلة عمره، كم نعطيه؟ مائة ألف؟ مائتين مليون أقل أكثر ما ينضبط.
ثم إننا إذا أعطينا ما يكفيه على الدوام، فإن أحوال الناس متغيره، هذا الفقير قد أصبح غنيًا، فقد يصبح من أثرى الأثرياء، وكم قرأنا في سير بعض الأثرياء، وأنهم كانوا في أول حياتهم فقراء، بل بعضهم تحت خط الفقر، بعض الأثرياء يذكر أنه في أول حياته أنه لا يجد شيئًا يأكله طيلة اليوم إلا في آخر اليوم، يأخذ رغيفًا من عيش، وكان يؤجر نفسه كحمال يحمل البضائع، ثم أصبح الآن من أثرى أثرياء العالم.
لو أننا أعطينا مثل هذا الرجل في ذلك الوقت ما يصبح به غنيًا على الدوام، ثم أصبح الآن من أثرى الأثرياء، هل هذا يتفق مع الأصول والقواعد الشرعية؟ هذا مما يبين ضعف هذا القول، وهو قول لا ينضبط.
القول الثالث: أنه يعطى الفقير والمسكين من مال الزكاة ما يكفيه لمدة سنة، وهذا هو مذهب المالكية والحنابلة، وقول عند الشافعية، يعني أنه قول الجمهور، إذًا القول الثالث أنه يعطى ما يكفيه ومن يعوله لمدة سنة، وهذا هو قول الجمهور من المالكية والحنابلة وهو قول عند الشافعية.
وعللوا ذلك قالوا إن وجوب الزكاة يتكرر بتكرر الحول، فيعطى هذا الفقير ما يكفيه لمدة سنة وإذا استمر فقرة للسنة التي بعدها فيعطى كذلك من الزكاة وهكذا، وقالوا ولذلك أوجبت الشريعة الزكاة في الأموال في غالب الأموال مرة واحدة في السنة.
فيعطى الفقير ما يكفيه لمدة سنة، فإن استمر فقره فيعطى مرة أخرى، فإن استمر فيعطى مرة أخرى إلى أن يصبح غنيًا، أو أنه يعطى في كل سنة ما يحتاجه في تلك السنة.
والقول الراجح ولله أعلم هو القول الثالث وهو قول الجمهور، وهو أن الفقير والمسكين يعطى ما يكفيه لمدة سنة، وهو أعدل الأقوال، أما القول بأنه يعطى نصابًا، فهذا قول ضعيف، فإن النصاب لا يجعله غنيًا، وفي مقابله القول بأنه يعطى ما يغنيه ويكفيه على الدوام أيضًا ضعيف، هذا لا يمكن ضبطه.
فأعدل الأقوال أن يعطى ما يكفيه لمدة سنة، وهذا القول كما ذكرت هو قول جمهور الفقهاء، وهو القول الراجح في هذه المسألة، على ذلك نخرِّج النازلة التي بين أيدينا، النازلة هي هل يجوز أن يشترى له من مال الزكاة بيت أو يبنى له من مال الزكاة بيت؟ كيف نخرج النازلة عن المسألة؟
على القول بأن الفقير والمسكين يعطى ما يكفيه على الدوام، فإنه على هذا يجوز أن يعطى من مال الزكاة ما يشتري به بيتًا، أو ما يبني به بيتًا، لأنهم قالوا يعطى ما يكفيه على الدوام، فعلى مذهب الشافعية وهو أنه يعطى ما يكفيه على الدوام، إذًا تخرج هذه المسألة فيقال يجوز أن يعطى الفقير أو المسكين أن يشترى له من مال الزكاة بيت، أو ينبى له من مال الزكاة بيت.
وعلى قول الجمهور وهو أنه لا يعطى إلا ما يكفيه لمدة سنة، لا يجوز أن يشترى له من مال الزكاة بيت، ولا أن يبنى له من مال الزكاة بيت، وإنما تسد حاجة السكنى بالنسبة لديه من ماذا؟ بالاستئجار، فيعطى ما يستأجر به بيتًا مناسبًا لمثله.
فنقول لهذا الفقير أو المسكين نحن نستأجر لك من الزكاة، نستأجر لك، إذا كانت عائلته كبيرة، نستأجر له بيتًا كبيرًا، لكن نستأجر له لمدة سنة، فتسد حاجته من السكنى لمدة سنة بالاستئجار.
ثم إن القول بأنه يشترى له من مال الزكاة بيت أو يبنى له بيت هذا يتطلب أموالًا كبيرة، الآن أقل بيت الآن يشترى لا يقل عن مليون ريال، كم تسد من حاجة فقير أو مسكين؟، كيف نترك هؤلاء الفقراء والمساكين وهم كثر في العالم الإسلامي، ونعطي هذا الفقير لكي يتملك بيتًا؟ ثم إن التملك أمر كمال، ليس ضروريًا، وإنما هو أمر كمالي.
فكم من إنسان عاش ولم يتملك بيتًا، لكنه عاش عيشة كريمة، وهو يستأجر له بيتًا مناسبًا لمثله، فحاجة السكنى تسد بالاستئجار، التملك أمر كمالي، فلا تؤخذ الزكاة لتحقيق أمر كمالي، إنما الزكاة تؤخذ لسد حاجات هذا الفقير أو المسكين، وعلى هذا لا يجوز أن يعطى الفقير ما يشتري به بيتًا من مال الزكاة، أو يبني له بيتًا من ال الزكاة.
إذًا على هذا لا يجوز أن يؤخذ من أموال الزكاة لبناء أو شراء بيوت للفقراء والمساكين، ونقول لهذا المحسن الذي عده زكوات استأجر لهؤلاء الفقراء، أما أنك تشتري لهم بيوتًا، هذا لا يجوز على القول الراجح.
ومن أبرز من ذهب إلى هذا الشيخ محمد ابن العثيمين رحمه الله، فقد سئل عن هذه المسألة فقال: لا أرى جوازًا لدفع الزكاة لشراء منزل لفقير، فإن شراء المنزل سوف يأخذ مالًا كثيرًا، وإذا كان المقصود دفع حاجة الفقير فإنه يستأجر له من الزكاة.
ننتقل بعد ذلك إلى نازلة أخرى من النوازل في باب الزكاة، وهي حكم دفع الزكاة لمكاتب ومراكز الدعوة إلى الله تعالى، الدعوة إلى الله تعالى هي من فروض الكفاية، {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل:125]، {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ} [فصلت:33]، {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ} [يوسف:108].
ولا بد أن تكون الدعوة إلى الله تعالى على بصيرة، وضابط البصيرة أن يغلب على ظن الداعية أن هذا هو شرع الله، وقد نُظمت الدعوة في الوقت الحاضر، وقد أصبح لها مراكز ومكاتب، بجانب الدعاة أيضًا المحتسبين الذين يدعون إلى الله تعالى، لكن أصبح هناك مراكز ومكاتب للدعوة إلى الله عز وجل.
ونُظمت على شكل عمل مؤسسي، وأصبحت هذه المراكز فيها فرق من العاملين، من الدعاة ومن الإداريين وغيرهم، وهذه المراكز تحتاج إلى تمويل، وتمول هذه المركز من التبرعات والأوقاف وغيرها، لكن يرد التساؤل في حكم تمويلها من أموال الزكاة.
لو قال شخص أنا عندي زكاة هل يجوز أن أدفعها لمكتب الدعوة أو لمركز الدعوة إلى الله تعالى أم لا يجوز؟ هذه المسألة يمكن تخريجها على مصرف في سبيل الله، فإن مصارف الزكاة قد حددها الله عز وجل في كتابه الكريم وتولى الله تعلى تحديدها بنفسه، فقال: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة:60].
فتأمل كيف أن الله تعالى ابتدأ هذه الآية بقوله «إنما» وهي أداة حصر، وهذا يدل على أنه لا يجوز دفع الزكاة في غير هذه المصارف، «إنما الصدقات» يعني الزكوات لهؤلاء الأصناف الثمانية، وختم الآية بقولة {فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة:60].
فلا يجوز أن تصرف لغير هؤلاء الأصناف الثمانية، لأن هذه القسمة صادرة عن علم وحكمة، من العليم الحكيم جل وعلا، لكن مصرف في سبيل الله أختلف في المراد به، فقيل إن المراد به جميع وجوه البر، وقيل إن المراد به الجهاد في سبيل الله، والقول بأن المراد به الجهاد في سبيل الله هو قول الجمهور وأكثر العلماء، لكن هناك من قال بأن المراد به جميع وجوه البر.
والقول بأن المراد به جميع وجوه البر، قول ضعيف، لأنه لو كان المراد بقوله في سبيل الله جميع وجوه البر لم يكن هناك حاجة لذكر بقية الأقسام، ولا قال الله إنما الصدقات في سبيل الله، فتشمل الفقراء والمساكين والغارمين وجميع الأقسام.
ثم أنه جميع وجوه البر ما تنضبط، لو أراد إنسان أن يحسن إلى بهيمة، هذه من وجوه البر، هل يجوز دفع الزكاة لهذا الإحسان إلى بهيمة أو قطة أو نحو ذلك؟ فإذًا هذه تدخل في وجوه البر، فهو لا ينضبط هو قول ضعيف، وعلى هذا فالقول الراجح هو قول جمهور الفقهاء، وهو أن المراد بمصرف في سبيل الله، الجهاد في سبيل الله.
لكن ما المراد بالجهاد في سبيل الله؟ هل المراد الجهاد بالسلاح؟ أو أنه يشمل أيضًا جهاد الدعوة؟ أما الجهاد بالسلاح فهذا هو الأصل، وهو المقصود، وهو عند جميع العلماء هو الذي ينصرف إليه مصطلح الجهاد في سبيل الله، لكن هل ينحصر الجهاد في سبيل الله بجهاد السلاح أو أنه يشمل جهاد الدعوة؟
هنا اختلف العلماء في هذه المسألة، فمنهم من حصر الجهاد في سبيل الله على الجهاد بالسلاح، وقال أن هذا هو المعروف، إذا تأملنا الآيات من القرآن والأحاديث من السنة نجد أنها إنما يقصد بالجهاد في سبيل الله إذا أطلق الجهاد بالسلاح، والقول الثاني أن مصطلح الجهاد في سبيل الله يشمل جهاد الدعوة، قالوا لأن الدعوة هي المقصودة من الجهاد في سبيل الله، نشر الدعوة هو المقصود من الجهاد في سبيل الله.
فإن الجهاد في سبيل الله ليس مقصودًا لذاته، وإنما مقصودًا لغيره، فالغرض منه نشر الدعوة إلى الله تعالى، ولذلك لو أن هؤلاء الكفار لم يعترضوا طريق المسلمين في نشر الدعوة لم يجز قتالهم، فلو أنهم استسلموا للمسلمين ورضخوا للمسلمين ولم يعترضوا طريق نشر الدعوة لم يجز قتالهم.
فقالوا إن جهاد الدعوة هو الأصل، قد كان هو الجهاد في الفترة المكية، والله تعالى قال {وَجَاهِدْهُمْ بِهِ} [الفرقان:52] يعني بالقرآن، {جِهَادًا كَبِيرًا} [الفرقان:52]، فسماه الله جهاد، ووصفه بالجهاد، بل بالجهاد الكبير، وهذا القول هو القول الراجح، وهو أن الجهاد في سبيل الله يشمل جهاد الدعوة، وجهاد الدعوة من أعظم ما يكون من الجهاد.
وقد صدر بهذا قرار من المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي، وهو أن الجهاد في سبيل الله يشمل جهاد الدعوة، وجاء في القرار أن هذا القول قال به طائفة من العلماء المسلمين، وأن له حظًا من النظر، ونظرًا لأن القصد من الجهاد بالسلاح هو إعلاء كلمة الله، وأن إعلاء كلمة الله كما يكون بالقتال يكون أيضًا بالدعوة، ونشر دينه بإعداد الدعاة ودعمهم ومساعدتهم على أداء مهمتهم، فيكون كلى الأمرين جهادًا.
قد قال النبي صلى الله عليه وسلم «جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم»، ولأن الإسلام محارب بالغزو الفكري والعقائدي من الملاحدة واليهود والنصارى وسائر أعداء الدين، ولهؤلاء من يدعمهم الدعم المادي والمعنوي، فيتعين على المسلمين أن يقابلوهم بمثل السلاح الذي يغزون به المسلمين، وبما هو أنكى منه.
ولأن الحروب في البلاد الإسلامية أصبح لها وزارات خاصة بها، ولها بنود مالية في كل ميزانية في كل دولة بخلاف الجهاد بالدعوة، فإنه لا يوجد له ميزانيات في غالب الدول ،ولهذا فإن مجمع الفقه الإسلامي يقرر بالأكثرية دخول الدعوة إلى الله تعالى وما يعين عليها في مصرف في سبيل الله.
وإذا كان أعداء الإسلام لهم ممولون، أعداء الإسلام من الطوائف الأخرى والفرق الأخرى يمولون الدعوة إلى أديانهم، يمولونها بأموال كبيرة، وضخمة جدًا، فحري بالمسلمين أن يدعموا مراكز الدعوة إلى الله تعالى بكل ما يستطيعون، ومن ذلك من أموال الزكاة.
والجهاد في سبيل الله الغرض منه كما ذكرنا إعلاء دين الله تعالى، وإعلاء كلمة الله ونشر الدعوة إلى الله تعالى، هذا لا يختص بالسلاح، بل يكون بالدعوة إلى الله تعالى، وعلى هذا فالقول الراجح أن الجهاد في سبيل الله يشمل جهاد الدعوة، وعلى هذا نخرج النازلة التي بين أيدينا، إذا قلنا أن الجهاد في سبيل الله يشمل جهاد الدعوة، فمعنى ذلك أن المصرف في سبيل الله يدخل فيه جهاد الدعوة.
وبناء على هذا يجوز دفع الزكاة لمكاتب ومراكز الدعوة إلى الله تعالى، بناء على هذا التقرير، ولكن لا بد من أن نضبط ذلك، لأن بعض مكاتب ومراكز الدعوة ربما تتوسع، فتأخذ أموال الزكاة وتضعه في مسابقات، أو تأخذ أموال الزكاة وتضعها في رحلات، فلا بد من ضبط هذا، فنقول أنه يجوز دفع الزكاة لمراكز ومكاتب الدعوة فيما تمحض في الدعوة إلى الله.
أما مالم يتمحض في الدعوة إلى الله فلا يدفع منه من أموال الزكاة وإنما يكون من التبرعات الأخرى من غير الزكاة، فعل سبيل المثال من يذكر لنا مثالًا فيما يتمحض في الدعوة إلى الله من أعمال المكاتب مكاتب الدعوة؟ رواتب الدعاة، راتب داعية أو كفالة داعية، رواتب الدعاة هذه متمحضة في الدعوة إلى الله تعالى.
مثلًا الإيجار إيجار المقر هذا متمحض، لكن مثل المسابقات، هل هي متحضة؟ المسابقات غير متمحضة، فلو وضع مسابقة مثلًا ووضع عليها جوائز لا تؤخذ من الزكاة، لو مثلًا رحلات، هذه ليست متمحضة فلا يؤخذ من الزكاة لذلك ينبغي أن يكون هناك حساب خاص مثلًا في مركز الدعوة أو مكتب الدعوة، حساب خاص بالزكاة ويصرف منه على الأمور المتمحضة في الدعوة فلا يتوسع في ذلك.
وبعض مراكز الدعوة إلى الله تعالى في الخارج تعتمد اعتمادًا كليًا أو شبه كلي على الزكاة، فلو قيل بعدم جواز دفع الزكاة لتعطلت تلك المراكز، لأن كثيرًا من المسلمين في تلك البلدان حالته المادية صعبة، فلا تجد هذ المراكز من يدعمها، خاصة مع ظهور الإرهاب الذي أضر بالإسلام والمسلمين كثيرًا، ظهور ما يسمى بالإرهاب، والغلو الدواعش، هذه أضرت العمل الخيري الإسلامي، إضرارًا عظيمًا.
أضرت الإسلام والمسلمين وأضرت العمل الخيري إضرارًا عظيمًا، ضيقت من نطاقة، وجعلت يعني هذه المراكز وهذه المكاتب بنظر لها يعني بمنظار الحذر، عندما يريد أحد يتبرع لها أو يعطيها من أمواله يكون حذرًا وخائفًا، وهذا لم يكن موجودًا قبل ظهور هذه الفرق الجماعات التكفيرية.
هذه الجماعات التكفيرية حقيقة أنها أضرت بالإسلام والمسلمين كثيرًا وبخاصة العمل الخيري، فهذه مكاتب الدعوة إلى الله تعالى ومراكز الدعوة في الخارج، لو قيل بعدم دفع الزكاة إليهم لتعطلت وانتهت، لأن موردهم الرئيسي هو الزكاة.
فالمسلمون هناك يعني يدفعون زكواتهم لهذه المراكز، فهي تعتمد اعتمادًا كاملًا أو شبه كامل على الزكوات، وبناء على هذه الفتوى، وهو أنه يجوز دفع الزكاة لمكاتب الدعوة إلى الله عز وجل، ثم إنه إذا جاز دفع الزكاة لإحياء البدن وإطعام الفقراء والمساكين، فدفع الزكاة لإحياء الروح من باب أولى، يعني يندر أن يسمع أحدًا مات جوعًا، لكن كم من إنسان ضال؟ كم الآن عدد غير المسلمين في العالم؟
يعني أكثر من خمسة مليارات ونصف، غير مسلمين المسلمون مليار ونصف، يعني ثلثا الكرة الأرضية الآن غير مسلمين، فلا بد على الأقل أن نقيم الحجة عليهم، وأن نبلغهم صورة الإسلام الصحيح، وليست الصورة المشوهة، الصورة الصحيحة للإسلام، وليست الصورة المشوهة، والدعوة لا يمكن أن تقوم إلا على مال، وبدون المال تكون ضعيفة، لا بد من مال.
وعلى هذا فالقول الراجح وهو الذي أقره المجمع الفقهي الإسلامي بالرابطة أنه يجوز دفع الزكاة لمراكز ومكاتب الدعوة إلى الله تعالى، لكن يضبط ذلك بأن يكون الدفع فيما تمحض في الدعوة إلى الله عز وجل.
هناك مسألة أيضًا نازلة مرتبطة بهذه النازلة وهي: دعم حلقات تحفيظ القرآن الكريم، من أموال الزكاة، حلقات تحفيظ القرآن الكريم انشرت في العالم الإسلامي ولله الحمد انتشارًا كبيرًا، وكان لها الأثر الكبير في إصلاح كثير من شباب المسلمين، وفي ربطهم بكتاب الله عز وجل.
ومعظم أئمة المساجد في العالم الإسلامي كله، هنا في المملكة على وجه الخصوص هم من خريجي حلقات تحفيظ القرآن الكريم، بل معظم أئمة الحرمين الآن إن لم يكن جميعهم من خريجي حلقات تحفيظ القرآن الكريم، فنحن نرى ثمار هذه الحلقات ولله الحمد، ثمارها يانعة وظاهرة، وتجد الدعم الكبير من ولاة الأمر في هذه البلاد.
يكفينا أن الملك حفظه الله الملك سالمان حفظه الله هو سنين طويلة وكان الرئيس الفخري لجمعية تحفيظ القرآن الكريم، وهو يتولى يحضر الحفل السنوي للجمعية ويسلم الشهادات والجوائز بنفسه، وأذكر أنني أحد من استلم شهادة حفظ القرآن الكريم من الملك سالمان شخصيًا.
فهو حفظه الله يدعم هذه الحلقات، ولاة الأمر جمعيًا يدعمون هذه الحلقات، وقادة هذه البلاد يدعمون هذه الحلقات، وقد كان لها ثمارها ولله الحمد ظاهرة في هذه البلاد، وتجد الدعم والتأييد من ولاة الأمر ومن جميع طبقات المجتمع.
وهل يجوز دفع الزكاة لحلقات تحفيظ القرآن الكريم؟ نحن ذكرنا الخلاف في مصرف في سبيل الله، وذكرنا أن القول الراجح أن المصرف في سبيل الله يدخل فيه جهاد الدعوة، فهل حلقات تحفيظ القرآن الكريم تدخل في جهاد الدعوة؟ من يجيب على هذا السؤال؟ يعني التأصيل السابق لا نحتاج إلى أن نعيده، لكن نحتاج الآن تطبيق هذه النازلة على التأصيل السابق، هل حلقات تحفيظ القرآن الكريم تدخل في جهاد الدعوة؟
نعم عندنا آية في القرآن الكريم تحسم هذه المسألة، وهي قول الله تعالى: {وَجَاهِدْهُمْ بِهِ} [الفرقان:52] يعني بالقرآن، {جِهَادًا كَبِيرًا} [الفرقان:52]، فوصفه الله تعالى بالجهاد والجهاد الكبير، فلا شك أن يعني الجهاد بالقرآن أعظم ما يكون بالجهاد وهو جهاد كبير، {وَجَاهِدْهُمْ بِهِ} [الفرقان:52] يعني بالقرآن، {جِهَادًا كَبِيرًا} [الفرقان:52]، فهذا يدل على أن الجهاد بالقرآن أنه يدخل في جهاد الدعوة، وفي الجهاد في سبيل الله تعالى بدلالة الآية الكريمة.
وعلى هذا نقول إنه يجوز دفع الزكاة لحلقات تحفيظ القرآن الكريم باعتبارها داخلة في جهاد الدعوة الذي وصفه الله تعالى بأنه جهاد كبير، لكن مع ذلك لا بد من ضبط هذا القول، فيقال إنه يجوز دفع الزكاة لحلقات تحفيظ القرآن الكريم بشرط أن يتمحض ذلك في أمور التحفيظ، ولا يكون في الأمور الهامشية، فيكون مثلًا في رواتب معلمي القرآن، أو في استئجار مقر التحفيظ أو نحو ذلك.
لكن غالبًا مقر التحفيظ هو المساجد، لكن بالنسبة للنساء أحيانًا تستأجر دور نسائية، وأيضًا خارج المملكة يحتاجون لاستئجار مقر أو نحو ذلك، لكن الأمور الهامشية هذه لا تكون من الزكاة، جوائز طلاب حلقات التحفيظ، لا تكون من الزكاة، الرحلات لا تكون من الزكاة، المنشورات مثلًا أو نحو ذلك أو الأوراق، لا تكون من الزكاة، فتكون إذًا في ما تمحض من أمور تحفيظ القرآن الكريم.
تتنقل إلى نازلة أخرى من نوازل الزكاة وهي: دفع الزكاة والصدقة لغير المسلمين في الكوارث، إذا حصل لغير المسلمين كوارث من زلازل أو براكين أو أعاصير أو غيرها، فأحيانًا تحتاج هذه الدول إلى مساعدة من الآخرين، ومن الآخرين الذين يطالبون أن يساعدون المسلمين، فهل يجوز للمسلمين مساعدة هذه الشعوب الغير مسلمة أم لا؟
نقول اما ما كان من باب الصدقة فلا بأس، لأنه يجوز الصدقة على غير المسلمين، ما داموا غير محاربين، وقد نقل الإجماع على ذلك، ومن أدلة هذا قول الله تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} [الإنسان:8] والأسير وقت نزول الآية إنما هو من الكفار ولم يكن من المسلمين، وأيضًا قول الله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ} [البقرة:272].
هذه الآية سبب نزولها أن نفرًا من المسلمين أسلمون ولهم أقارب من غير مسلمين، وكانوا قبل إسلامهم يعطونهم صدقات، فلما أسلموا تحرجوا أن يتصدقوا عليه، فأنزل الله هذه الآية {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ} [البقرة:272].
فأجازت هذه الآية لهم أن يتصدقوا عليهم، وأن أكر هدايتهم إلى الله تعالى، فإذًا الصدقة لغير المسلمين ما دام أنهم غير محاربين تجوز بالإجماع، ولا بأس بها، أما الزكاة فإننا إذا نظرنا إلى مصارف الزكاة الثمانية نجد أن الزكاة لا يدخل فيها غير المسلمين، نجد أن هذه المصارف لا يدخل فيها غير المسلمين إلا في مصرف واحد، قد يدخل فيه غير المسلمين، ما هو؟ المؤلفة قلوبهم، فعلى هذا لا يجوز دفع الزكاة لغير المسلمين إلا أن يكون من المؤلفة قلوبهم.
والمؤلفة قلوبهم إما أن يكون التأليف رجاء إسلامهم، أو يكون التأليف لكف شرهم، أما إذا كان لكف شرهم، فإنه لا يجوز أن يعطى الفرد الواحد، بل لا بد أن يكون له قوة وأتباع، أو دولة كبيرة، مما يخشى شره على الإسلام والمسلمين، لأن الفرد الواحد لا يضر المسلمين، يعني بتعبير الفقهاء لا بد أن يكون سيدًا، له أتباع.
أما إذا كان يرجى تأليف القلب للإسلام اختلف العلماء، هل يشترط أن يكون سيدًا في قومه أم لا؟ والقول الراجح أنه لا يشترط، لأنه إذا كان يعطى الفقير لأجل إحياء بدنه فلأن يعطى هذا لأجل إحياء قلبه بنور الإسلام من باب أولى.
فالقول الراجح إذًا أنه لا يشترط فيمن يرجى إسلامه من المؤلفة قلوبهم أن يكون سيدًا في قومه، وإنما يجوز أن يكون حتى فردًا، وعلى هذا فالزكاة لا تعطى لغير المسلمين إلا في حالة واحدة، أن يكون من المؤلفة قلوبهم، وبناء على هذا ففي حال الكوارث من الزلازل والأعاصير ونحوها يجوز إعطاء غير المسلمين من صدقة التطوع. ولا يجوز إعطاؤهم من الزكوات، يعطون من صدقة التطوع، ولا يعطون من الزكوات.
ننتقل لنازلة أخرى في كتاب الزكاة وهي: زكاة الذهب الأبيض، الذهب هو من المعادن النفيسة، من قديم الزمان، ولازال يحتفظ بنفاسته إلى الآن، سبحان الله هذا المعدن الذهب والفضة من قديم الزمان هي من المعادن النفسية، ولا تزال إلى الآن، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم يقول «يوشك أن يحصر الفرات» يعني نهر الفرات الذي في العراق «عن جبل من ذهب يقتل عليه الناس ينجو من كل مائة واحد فمن حضره فلا يأخذ منه شيئًا».
هل هذا حصل؟ ما حصل سيحصل، معنى ذلك أن الذهب سيكون في هذا الوقت نفيسًا جدًا، لدرجة أن نسبة النجاة واحد بالمائة، ومع ذلك تجد من يغامر ويريد أن يأخذ شيئًا من الذهب، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى قال «من حضره فلا يأخذ منه شيئًا» لأنه يتسبب في قتل غيره وفي فتنة، فيسلم بدينه ولا يأخذ من هذا الذهب شيئًا.
الذهب تجب فيه الزكاة إذا بلغ النصاب، وقلنا أنه يحمل محله الآن مع الفضة والأوراق النقدية، وتكلمنا عن أحكامها بالنسبة للنصاب، لكن الذهب الأصفر المعروف زكاته معروفة، وأحكام الزكاة في معروفة، ونصابه خمسة وثمانون جرام، والواجب فيه ربع العشر، لكن وجد في الوقت الحاضر ما يسمى بالذهب الأبيض.
فهل هذا الذهب الأبيض تجب فيه الزكاة؟ هذا الذهب الأبيض الآن موجود عند محلات الجواهر، محلات الذهب والجواهر يبيعون الذهب الأبيض، وإذا ذهبت الآن إلى أي محل ذهب عندهم ذهب أبيض وعندهم ذهب أصفر، وعندهم فضة، الذهب والفضة أحكامها واضحة وظاهرة، لكن هذا الذهب الأبيض، هذا الذهب الأبيض نقول أن الذهب الأبيض يطلق على شيئين.
الأول يطلق الذهب الأبيض على معدن البلاتين، فيسمون معدن البلاتين بالذهب الأبيض، لكنه ليس ذهبًا في الحقيقة، وهذا لا يأخذ حكم الذهب الأصفر المعروف، سواء في أحكام الزكاة أو في غيرها.
الثاني يطلق الذهب الأبيض على الذهب الأصفر المعروف، لكنه يكون مطليًا بطبقة من البلاتين، أو مخلوطًا بنسبة معينة من مادة البلاديوم والنيكل أو غيرها، تزيد أو تقل حسب عيار الذهب، فهو في الحقيقة ذهب أصفر لكنه مطلي بما يجعل لونه أبيض، فهذا يأخذ حكم الذهب الأصفر المعروف، في جميع الأحكام، في الزكاة وفي غيرها.
الذهب الموجود الآن عند محلات الذهب والجواهر هل هو من النوع الأول أو من النوع الثاني؟ من منكم له صلاة بمحلات الذهب؟ هو من النوع الثاني، ولذلك تجد أن سعر الذهب الأبيض مقارب إلى سعر الذهب الأصفر المعروف، الفرق بينهما يسير، لو كان من البلاتين لكان الفرق كبيرًا، لأن البلاتين معدن من المعادن.
فالذهب الموجود في محلات الذهب هو من الذهب الأصفر الطلي، بمادة تجعله أبيض، أما من البلاديوم أو النيكل أو البلاتين أو غيرها، فعلى هذا، هذا الذهب الأبيض الموجود في محلات الذهب يأخذ حكم الذهب الأصفر في جميع الأحكام الشرعية.
ومنها مثلًا وجوب التقابض وعدم التفرق إلى آخره، أما الذهب الأبيض الذي هو البلاتين فهذا يسمى بذهب أبيض، ويسمى عند بعض التجار يسمونه ذهبًا أبيض، لكن العبرة بالحقيقة، ليس العبرة بالاسم، فهو لا يأخذ حكم الذهب في الأحكام الشرعية، فيجوز بيعه مثلًا بأوراق نقدية مع عدم التقابض، لأنه معدن وليس معدن، والعبرة بالحقيقة كما ذكرنا.
النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأنه سيكون في آخر الزمان قوم يشربون الخمر يسمونها بغير اسمها، فهل إذا سميت الخمر بغير اسمها أصبحت ليست خمرًا؟ أبدًا هي خمر، سواء سميت خمر أو مشروبًا روحيًا أو غير ذلك من الأسماء، فالعبرة بالحقيقة وليس بالاسم.
فعلى هذا يعني عندما يطلق هذا المصطلح ينبغي لطالب العلم أن يعرف المقصود منه، هل المقصود به معدن البلاتين؟ هذا حكمه كحكم بقية المعادن، مثل النيكل، مثل الزنك، مثل بعضها من المعادن، هذا يعني لا يأخذ حكم الذهب ولا الفضة، فلا يشترط له التقابض وزكاته تكون زكاة المعادن وليست زكاة الذهب والفضة إلى آخره.
أما إذا كان المقصود به الذهب الأصفر المطلي بماده تجعله أبيض، فهذا حكمه حكم الذهب، وهذا هو الموجود لدى محلات الذهب.
ننتقل بعد ذلك إلى نازلة أيضًا في كتاب الزكاة كذلك ولعلنا نختم بها في كتاب الزكاة وهي: حكم إخراج الشعير في زكاة الفطر، كان الشعير يخرج في زكاة الفطر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، قد جاء في أكثر من حديث عن الصحابة أنهم قالوا كنا نطعم الصدقة صاعًا من شعير.
جاء في حديث أبي سعيد عند البخاري: «كنا نخرج زكاة الفطر صاع من طعام أو صاع من شعير أو صاع من أقط وصاع من زبيب»، وفي حديث ابن عمر عند البخاري أيضًا: «أمر النبي صلى الله عليه وسلم بزكاة الفطر صاع من تمر أو صاعًا من شعير».
فكان الشعير في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، طعامًا للآدميين، يقتاتونه، فورد في السنة إذًا بأن زكاة الفطر تخرج من الطعام، ومن ذلك الشعير، لكن في وقتنا الحاضر أصبح الشعير في كثير من البلدان لا يصلح قوتًا للآدميين، وإنما هو علف للبهائم.
فأصبح الناس يشترون الشعير للإعلاف البهائم، فتغير حكم هذه المسألة، هذا الشعير الذي كان قوتًا في زمن النبوة أصبح الآن في وقتنا الحاضر ليس قوتًا للآدميين، وإنما هو لعلف البهائم، فهل يجوز دفع الشعير في زكاة الفطر؟ لو أتى أحد وقال الشعير يدفع في زكاة الفطر، أنا أريد في السنة هذه أدفع زكاة الفطر صاعا من شعير، هل هذا يجوز أم لا؟
هنا تغير هذه الحال تغير أحوال الناس جعل هذه المسألة من النوازل، والذي يظهر والله أعلم أنه لا يجزئ إخراج الشعير في وقتنا الحاضر في البلدان التي لا تعتبر الشعير قوتًا للآدميين، وإنما تعتبره علفًا للبهائم، لأن الغرض من زكاة الفطر أن تكون طعمة للفقراء والمساكين، وتغنيهم عن السؤال يوم العيد.
وهذا الغرض لا يتحقق فيما لو أعطي الفقير أو المسكين في وقتنا الحاضر شعيرًا، لأنه لم ينتفع به، وإنما سيعطيه للبهائم، أو يبيعه لمن يجعله علفًا للبهائم، فلا يتحقق مقصود الشارع من زكاة الفطر، ثم إن ذكر الشعير في بعض الأحاديث إنما هو على سبيل المثال لما كان موجودًا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم.
ولهذا جاء في حديث أبي سعيد: «كنا نخرج في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفطر صاعا من طعام، وكان طعامنا الشعير والزبيب والأقط والتمر»، وقد ذكر الحافظ ابن عبد البر في كتابه الاستذكار قال: أشهد قال مالك: لا يؤدى الشعير إلا لمن هو أكله يؤدمه كما يأكله، يعني لمن كان يأتدم به ويقتات به، ويكون قوتًا له.
فالإمام مالك في زمنه يقول لا يؤدي الشعير إلا لمن كان يأكله ويكون قوتًا له، فإذا كان هذا في زمن الإمام مالك فكيف بوقتنا الحاضر الذي أصبح الناس قد تعارفوا على أن يكون الشعير علفًا للبهائم؟، إلا البلدان التي لا زال الشعير يقتاته الآدميون، فبلغني أن بعض البلدان لا زال الشعير قوتًا، فمثل هذه البلدان يبقى الأمر على ما كان عليه في عهد النبوة، ويجوز إخراج الشعير.
لكن كما قال الإمام مالك: لا يجوز إخراج الشعير إلا لمن يجعله أكلًا له، وقوتًا له، فإن قال قائل كيف نقول: إن الشعير لا يجزئ إخراجه في زكاة الفطر وقد ورد به النص؟ وأنتم تقولون لا بد من تعظيم النصوص، فكيف نقول أن الشعير لا يجزئ إخراجه وقد ورد به النص؟ فما الجواب؟ من يجيب عن هذا السؤال؟
أولًا هل النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تخرجوا إلا الشعير والتمر والأقط؟ هل هذا ورد من كلام النبي صلى الله عليه وسلم؟ ما ورد، ولا في حديث واحد، إنما الصحابة فقط يحكون عما هو موجود في زمنهم، يقولون أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن نخرج صاع من طعام، وكان طعامنا كذا وكذا وكذا، ما فيه الآن معارضة للنص، ما في نص أصلًا كلام عن النبي صلى الله عليه وسلم.
النبي صلى الله عليه وسلم وجهم بأن يخرجوا صاعا من طعام، وهم يحكون الواقع، يقولون كان كعامنا كذا وكذا وكذا، فإذًا هذا القول ليس أصلًا فيه معارضة للنص، ولا نحتاج إلى أن نقول لا بد أن نعرف مقصود الشارع، لأن أصلًا النبي صلى الله عليه وسلم ما قال هذا، ما قال لا تخرجوا إلا صاعًا من شعير، إنما أمرهم بأن يخرجون صاعًا من طعام.
لكن الصحابة حكوا واقع ما عليه طعامهم في ذلك الوقت، قالوا كانوا طعامنا من الشعير ومن الأقط ومن التمر، فإذًا ما في أصلًا اعتراض معارضة للنص أصلًا، أين النص الذي فيه عرضنا؟ ما في اعتراض، فما نحتاج أصلًا للجواب الذي ذكره الأخ، إننا ننظر للمقصود وننظر للمصلحة، لا نحتاج لهذا، لأنها أصلًا ما يرد النص على الشعير.
إنما أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرجوا صاعًا من طعام، لكن الذي ورد في الأحاديث عن ابن عمر وأبي سعيد وغيره يحكون الواقع كان طعامنا كذا وكذا، يبقى النظر في إخراج التمر في زكاة الفطر، التمر الآن لا شك أنه يأكله كل الآدميون، لكن هل هو قوت؟ هل يعتمد عليه الإنسان كوجبة وجبة غداء يتغدى على تمر فقط؟ أو يتعشى على تمر؟
الحقيقة هذه مسألة مشكلة عندي لم يتحرر لي فيها جواب، يعني يحتمل أن نقول أنه يجزئ لأنها طعام للآدميين، وربما أيضًا تكون طعامًا نفسيا، بعض أنواع التمور تكون أسعارها كبيرة، ولذلك تقدم لكبار الضيوف، ويحتمل أن يقال أنها ليست بقوت، ولا يعتبرها الناس.
الآن الناس يأتون بالتمر للتفكه وليس يعتبرونه وجبة أساسية، ولهذا إذا أتى الإنسان ضيف لا يقتصر على التمر فقط، إنما لا بد أن يأتي له بقوت من أرز ولحم ونحو ذلك، فيعني هذه المسألة لم يتحرر لي فيها جواب، والله تعالى أعلم، هذه أبرز النوازل في كتاب الزكاة. بر
ننتقل بعد ذلك لكتاب الصيام لعلنا نأخذ ما تيسر حسب ما يتسع به الوقت ثم نكمل إن شاء الله بعد الصلاة.
في كتاب الصيام، أبرز النوازل حكم الاعتماد على الحسابات الفلكية والمراصد في رؤية الهلال، وهي مسألتان، مسألة الاعتماد على المسألة الفلكية، والمسألة الثانية حكم الاعتماد على المراصد، وبينهما فرق، المراصد هي التي تكبر الهلال، مثل التلسكوب والتربيل، المرصد الفلكي، المنظار الكبير، وأما الحسابات، فهي حسابات فلكية يعرف بها مثلًا أوقات ولادة الهلال والشروق والغروب ونحو ذلك.
نبدأ أولًا بحكم الاعتماد على الحسابات الفلكية، أولًا: أشير إلى ما ذكرته في المجلس الثاني من أن علم الفلك في الوقت الحاضر قد تقدم تقدمًا كبيرًا، والمركبات الفضائية وصلت إلى المريخ، الذي يبعد عن الأرض ما يقارب خمسمائة مليون كيلو متر، وليس فقط القمر، فالفلك أصبح متقدمًا تقدمًا كبيرًا جدًا.
أصبح الآن حساب النجوم، وليس فقط القمر الذي هو قريب منا، القمر يبعد على الأرض قرابة أربعمائة كيلو، قريب ليس بعيدًا خلاف النجوم التي تبعد المسافات هائلة شاسعة ملايين الكيلو مترات، فإذا كان يمكن حسابات النجوم البعيدة جدًا عنا فكيف بحساب القمر القريب؟ واختلف العلماء في حكم الاعتماد على الحسابات الفلكية على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنه لا يعتمد على الحسابات الفلكية مطلقًا، لا في النفي ولا في الإثبات، وقد نقل الإجماع على هذا، ولكن حكاية الإجماع محل نظر، فهناك من الفقهاء من قال بذلك بعض فقهاء المالكية والشافعية، كما حكى ذلك القرافي وغيره، وأشتهر عن سريج أيضًا من الشافعية القول باعتماد المسألة الفلكية. ومن المعاصرين قال به كثر أيضًا، منهم المحدث أحمد شاكر رحمه الله.
القول الثاني: أنه يعتمد على الحسابات الفلكية مطلقًا، ومنهم من ذكرنا، من ابن سريج، وفي الوقت الحاضر أحمد شاكر وغيرهم.
القول الثالث: أنه يعتمد على الحسابات الفلكية في النفي دون الإثبات، ما معنى في النفي دون الإثبات؟ من يوضح لنا معنى هذا القول؟ النفي دون الإثبات، من مر عليه هذا المصطلح؟، يعتمد على الحسابات الفلكية في النفي دون الإثبات.
يعني إذا دلت الحسابات الفلكية على أنه مستحيل أن يرى، لكون القمر مثلًا يغرب قبل الشمس، فيعتمد على الحسابات، لكن إذا دلت الحسابات الفلكية على أن الهلال سيكون موجودًا بعد غروب الشمس، فهنا لا يعتمد على الحساب، وإنما يعتمد على الرؤية، إن رؤي أثبتنا الشهر، إذا لم يرى اكملنا الشهر ثلاثين، هذا هو الفرق بين النفي والإثبات.
والقول بأنه يعتمد على الحسابات الفلكية من نفي دون إثبات قال به بعض أهل العلم، ومن أشهر ما قال به من العلماء المعاصرين الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله، أما القائلون بأنه لا يعتمد على الحسابات الفلكية مطلقًا فاستدلوا بعموم الأدلة الدالة على أن المعتمد عليه هو الرؤية، ومنها قول النبي صلى الله عليه وسلم «صوموا رؤيته وأفطروا رؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين»، قال: «لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفتروا حتى تروه»، وما في معناها من الأحاديث.
قالوا فالنبي صلى الله عليه وسلم علق الحكم بالرؤية، فلا بد من رؤية الهلال، ولا يعتمد على الحسابات الفلكية، وأما القائلون بأنه يعتمد على الحسابات الفلكية فقالوا إن الحسابات الفلكية قد تطورت في الوقت الحاضر، وأصبح الناس يعتمدون عليها في أوقات الصلوات، قالوا فنحن نعتمد عليها في أوقات الصلوات، صلاة الفجر والظهر والعصر والمغرب والعشاء، فلماذا لا تعمد عليها أيضًا في دخول الأشهر.
وأما أصحاب القول الثالث قالوا: إنه يعتمد عليها في النفي دون الإثبات، أما في النفي لأنه تعارض عندنا حساب فلكي قطعي وشهادة مظنونة، ويشرط لصحة الشهادة أن تنفك عما يكذبها، فإذا شهد الشاهد برؤية الهلال والحسابات الفلكية تدل على استحالته، فهذه الشهادة قد اقترنت بما يكذبها فلا تقبل.
أما في حال الإثبات، فيعتمد على الرؤية، لأن الأدلة علقت دخول الشهر برؤية الهلال، والذي يظهر والله أعلم أن القول الراجح هو أنه في حالة النفي يعتمد على الحسابات الفلكية القطعية فقط، دون الظنية، وأما في حال الإثبات فلا يعتمد على الحسابات الفلكية، هذا هو القول الراجح الذي يتحرر لي والله أعلم.
أما قولنا أنه يعتمد في حال النفي على الحسابات الفلكية القطعية، فلأنها أقوى من شهادات الشهود، لأن شهادة الشاهد يعتريها ما يعتريها من الوهم، والحسابات الفلكية هذه قطعية، ومن أمثلة الحسابات الفلكية القطعية غروب القمر، وغروب الشمس، من المعلوم أنه لا تقبل شهادة الشاهد إلا إذا شهد بأنه رأى الهلال بعد غروب الشمس في اليوم التاسع والعشرين.
فإذا دل الحساب الفلكي وهو حساب قطعي على أن القمر غرب قبل الشمس، فأتى الشاهد وشهد بأنه رأى القمر غرب بعد الشمس، فهنا شهادة الشاهد خالفت الحساب الفلكي القطعي فترد، لكن في الظني لو كان القمر يغرب بعد الشمس مثلًا بخمس دقائق أو بعشر دقائق مثلًا، فهنا الحسابات الفلكية لا تقطع بعدم رؤية الهلال، إنما تقول يمكن أن يرى بصعوبة جدًا، لكنه ليس مستحيلة، يعني ظنية في هذ الصورة، تسمى بإمكانية الرؤية.
فهنا لا ترد شهادة الشهود، تقبل شهادة الشاهد، وعلى ذلك وضعت معادلة تقويم أم القرى، تقويم أم القرى بالنسبة لدخول الأشهر وضعت بناء على هذا، إذا غرب القمر قبل الشمس، في مكة المكرمة أعتبر الشهر ثلاثين، لأنه لا يمكن يرى الهلال، وإذا غرب القمر بعد الشمس ولو بدقيقة يعتبر الشهر تسعة وعشرين، فتكون أم القرى يعتمد على هذه المعادلة.
وأما في حال الإثبات فإن الأدلة تدل على وجوب الاعتماد على الرؤية، «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته»، مثل ما حصل في شهر ذي الحجة، العام الماضي، القمر يغرب بعد الشمس، لكن ما تقدم أحد برؤيته، فأكملنا الشهر ثلاثين، أكملنا شهر ذي العقدة ثلاثين، لأنه لم يتقدم لرؤيته أحد، فاعتمادنا هنا على الرؤية.
فهذا هو القول الأقرب والله أعلم، ومنذ إنشاء المحكمة العليا عن عام ألف أربعمائة وثمانين، ولم يحصل خلاف هذا الذي ذكرت، ولله الحمد، كان قبل ذلك يحصل أن القمر يغرب قبل الشمس، ثم يتقدم شهود وتقبل شهاداتهم، لكن منذ إنشاء المحكمة العليا ولله الحمد فأصبح يعني لم يحصل شيء من هذا، وأصبحت الرؤية عندنا يعني أكثر انضباطًا مما سبق.
وإذا غرب القمر قبل الشمس لم يحصل من عام ألف أربعمائة وثلاثين إلى الآن أن أثبت دخول الشهر والقمر غرب قبل الشمس، فإن قال قائل الأدلة ظاهرة في اعتبار الرؤية، فلماذا نقول بأنها يعتمد عليها في النفي دون إثبات إذا كان الحساب قطعيًا؟
فالجواب أرأيت لو أتانا شاهد يوم سبع وعشرين رمضان، وقال إني رأيت الهلال هذا شاهد عدل، أو آتانا شاهدان عدلان يوم سبع وعشرين أو ست وعشرين رمضان وقالا إن رأينا الهلال غرب بعد الشمس، هل تقبل شهادتهما؟ الجواب ما تقبل لماذا؟ لأنهما يشهدان بأمر مخالف لما هو معلوم من سنن الله في الكون.
الآن لو آتانا رجل الآن عدل وقال يا جماعة ترى الشمس غربت الشمس، الله على كل شيء قدير، ما نقبل كلامه، لأنه مخالف لما هو معلوم لسنن الله عز وجل، لأن الشمي أجرى الله تعالى السنن بأن الشمس تغرب في هذا الوقت من السنة في كل عام، فإذًا الشمس والقمر بحسبان، إنهما سنن معلومة.
ويعني بعض الشهود عندهم شيء من التوهم، والعجلة قد يكون الشاهد عدلًا في نفسه، قد يكون يعني إنسانًا ظاهره الاستقامة ومحافظ على الصلوات، لكنه يتوهم، خاصة في الوقت الحاضر الذي نعشيه مع وجود أجرام كثيرة في الأفق، الأقمار الصناعية، كثيرة في الأفق وأحيانًا تشتبه بالهلال.
الطائرات أيضًا عندما تمر، دخان الطائرات عندما تمر، وأذكر أنا مرة في أحد المؤتمرات في المجمع الفقهي أنه أحد الفلكيين قام وعرض علينا، أطفأ الأنوار في أحد المؤتمرات أو الندوات نسيت، أطفأت الأنوار وعرض علينا قال ما هذا؟ قلنا هذا هلال، ثم قال ما هذا؟ قلنا هلال عرض سبعة أو ثمانية أشكال كلنا قلنا جميعًا هذا هلال.
قال هذا كله غير صحيح هذا ليس هلال هذا دخان طائرة، هذا كذا، هذا كذا، يعني كثير من الأجرام يعني تشتبه بالهلال، ويعني أحد المشايخ اعترض علي فقلت له سأعطيك غروب القمر لهذا اليوم، لهذا الشهر كاملًا خذه وطبقه على الطبيعة، أنظر هل ترى في خطأ ولو دقيقة واحدة، إن وجدت فيه خطأ فتعالى، ما يمكن، لأن معادلة غروب القمر هي نفسها معادلة غروب الشمس مع اختلاف المدخلات فقط، وإلا المعادلة هي نفسها، أنا سألت الفلكيين، قالوا هي المعادلة نفسها ما تختلف، مع اختلاف فقط المدخلات.
فإذا كنت ستشكك في غروب القمر إذًا شك في غروب الشمس، وقل الناس قل للمؤذن لا تؤذن حتى تصعدوا السطح وتنظروا للشمس هل غربت بالفعل أم لا، فعلى هذا غروب القمر حسابات غروب القمر قطعية، لأنها مثل حسابات غروب الشمس، فإذا غرب القمر، قيل أن القمر يغرب هذا اليوم الساعة كذا، غرب قبل الشمس مثلًا بربع ساعة، ثم أتانا الشاهد وقال أشهدت بأن رأيت القمر رأيت الهلال بعد الشمس موجودًا بخمس دقائق.
فمعنى ذلك أن هذه الشهادة قد اقترنت بما يكذبها، وهو مخالفة ما هو معلوم من سنن الله عز وجل في الكون، فكيف نصدق هذا الشاهد الذي يحتمل أنه متوهم، ولا ندري ما الذي نرى، ونترك ما هو معلوم قطعًا من سن الله تعالى في الكون؟ فمن شروط قبول الشهادة أن تفك الشهادة عما يكذبها.
هذا القول ولله الحمد كان في جهود بعض طلبة العلم فيما سبق، يعني التوضيح للمشايخ، وخاصة لمن يعني القائمين على أن الجهات التي تضبط الرؤية، وأثمرت هذه الجهود ولله الحمد، المشكلة أن علم الفلك عندنا خاصة في المملكة، يعني تدريسه قليل، لا يدرس في المساجد ولا في المدارس، في التعليم العام ولا في الجامعات، فالجهل به كثير، ومن يفهم فيه قله من الناس، هذه إشكالية.
لكن إذا وضحت المسألة للمشايخ ومن يعنيهم الأمر يقبلون هذا بصدر رحم، والإنسان عدو لما جهل، فبعض الإخوة بعض طلبة العلم عندهم حساسية من كلمة حساب، لكن إذا شرحناها بهذه الطريقة فهموا المقصود، وأثمرت ولله الحمد الجهود، وأصبحت الرؤية منضبطة ولله الحمد.
وقد كان لثمرة هذا الانضباط في المملكة أنها ضبطت حتى في العالم الإسلامي، أصبحت لرؤية منضبطة، ولا تخالف أمرًا مقطوعًا به من علم الفلك، من عام ألف أربعمائة وثلاثين لم يحصل هذا ولا مرة واحدة، أصبحت ولله الحمد الرؤية منضبطة، ولا تخالف أمورًا مقطوعًا بها من علم الفلك، إنما قد تخالف في أشياء مظنونة ظنية ممكنة، أما مقطوعًا به لم يحصل هذا، من عام ألف وأربعمائة وثلاثين.
ونسأل الله عز وجل التوفيق ونتوقف الآن فترة الاستراحة، ونكمل إن شاء الله بقية النوازل في الصيام والحج بعد صلاة المغرب، والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.