الخثلان
الخثلان
بيان مواضع سجود التلاوة الأربعة عشر، وبيان خلاف العلماء في الموضع الخامس عشر
2 ربيع الأول 1438 عدد الزيارات 1582

نرجع لعبارة المؤلف رحمه الله قال: «أربع عشرة سجدة»، ومواضع السجود هي خمسة عشر سجدة، لكن الخامسة عشرة هي محل خلاف، وهي السجدة (ص)، ونريد الآن أن نعد المواضع الأربعة عشرة سجدة، هي في سورة الأعراف هذا اثنان: الرعد ثالثة، النحل أربعة، الإسراء خمسة، مريم، ستة وسبعة الحج فيها سجدتان، ثمانية الفرقان، تسعة النمل، عشرة السجدة، أحد عشر فصلت، اثنا عشر النجم، ثلاثة عشر الانشقاق، أربعة عشر العلق.

هذه إذًا مواضع السجود في القرآن، وهي عندها علامة في المصحف، أنها سجدة، أما الموضع الخامس عشر، وهو سجدة (ص)، سجدة (ص) في قصة داود u {فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} [ص:24]، اختلف العلماء فيها على قولين، القول الأول: أنه لا يشرع السجود فيها، وهذا هو الذي قرره المؤلف، وهو المذهب عند الحنابلة.

قالوا لأنها توبة نبي، وقد وردت بلفظ ماذا؟ الركوع، {فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} [ص:24]، ولم ترد بلفظ السجود.

القول الثاني: يشرع السجود عند قراءة هذه الآية، واستدل أصحاب هذا القول بما جاء في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنه قال: «ص ليست من عزائم السجود، وقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسجد فيها»، وهذا في صحيح البخاري، ويكفينا أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد فيها، وهذا يكفي لإثبات مشروعية السجود عند هذه الآية، ولهذا قال مجاهد: سألت ابن عباس عن  سجدة (ص) قال «أو ما تقرأ {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ} [الأنعام:84]، إلى قوله {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ} [الأنعام:90]، فكان داود ممن أمر نبيكم صلى الله عليه وسلم بالاقتداء به».

والقول الراجح هو القول الثاني، هو أنه يشرع السجود عند آية (ص) أو عند سجد (ص) لأنه جاء في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد عندها، وأما ما ذكره أصحاب القول الأول من الآية أنها توبة نبي، فيقول يكفي أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد عندها ولو كانت توبة نبي.

وأما ما ذكروه من أن الآية وردت بلفظ الركوع، فكيف نجيب عن هذا؟ قالوا أين السجود،؟ {فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا} [ص:24] ولم يقول خر ساجدًا، فكيف يشرع السجود عندها؟

إذًا المراد أن يقول إن المراد بالركوع في الآية السجود، بدليل قوله خر، والخرور لا يكون إلا في السجود وليس للركوع، إذًا المراد بقول، {وَخَرَّ رَاكِعًا} [ص:24]، المراد بالركوع في الآية السجود.

ولهذا قال الحافظ ابن كثير في تفسيره قاله تعالى{وَخَرَّ رَاكِعًا} [ص:24] أي ساجدًا، قال ابن كثير ويحتمل أنه ركع أولًا ثم سجد بعد ذلك، والحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري قال: السجدة التي في (ص) وردت بلفظ الركوع، ولولا التوقيف ما ظهر أن فيها سجدة.

لكن يعني المفسرين يقولون أن المراد بالركوع السجود بدليل قوله «خر» وبكل حال يكفينا أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد فيها، والسجدات مبناها على التوقيف، لأن هناك بعض الآيات التي فيها الأمر بالسجود ومع ذلك لا يشرع السجود عندها بالإجماع، مثل ماذا؟ من يذكر لنا مثالًا؟ لا، {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (62)} [النجم: 62] فيها سجدة، لكن في ما هو أصرح منها، آخر سورة الحجر {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ* وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:98-99] لاحظ الآية {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ} [الحجر:98] فيها الأمر بالسجود.

ولهذا ينبغي يعني خاصة في صلاة التراويح إمام المسجد إذا قرأها ألا يقف عندها حتى لا يشوش على النساء، لأن بعض الأئمة يقرأ هذه الآية ثم يسجد باعتبار أنها آخر السورة،  {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ* وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:98-99] فيسجد.

يعني فتأتي أسئلة كثيرة، أن النساء يسجدن عندما يستمعن لهذه الآية، يستمعون إلى قوله: {وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ} [الحجر:98]، فينبغي أن الإمام يقرأ يعني أول سورة النحل حتى يزول الإشكال.

إذًا السجود مبناها على التوقيف، وإلا لو كان مبناه على الرأي المجرد لكانت هذه موضع سجود، {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ} [الحجر:98]، ومع ذلك لا يشرع السجود عندها بالإجماع فمبناه على التوقيف.

 فما دام أن مبناه على التوقيف نسأل الآن سجدة (ص) هل سجد النبي صلى الله عليه وسلم عندها أو ما سجد؟ سجد كما في صحيح البخاري، وهذا كافي لإثبات المشروعية.

وعلى ذلك فالقول الراجح هو أنه يشرع السجود عند سجدة (ص)، وعلى هذا فتكون مواضع السجود خمسة عشرة سجدة، وليس أربع عشرة سجدة كما قال المؤلف.

  • تاريخ ومكان الإلقاء: جامع الأمير مشعل بحي الخزامى - غرب الرياض