قال: "أو فذًّا"؛ فذًا يعني فردًا واحدًا، وهو يشير بهذا إلى صلاة المنفرد خلف الصف، وصلاة المنفرد خلف الصف، اختلف العلماء فيها على قولين:
القول الأول: أنها لا تصح، هذا هو المذهب عند الحنابلة، وهو من المفردات، وهذا المصطلح من المفردات سبق أن مر معنا، ماذا يراد به.
مداخلة: غير واضحة.
الشيخ: أحسنت، انفرد به الحنابلة عن بقية المذاهب.
القول الثاني: أن صلاة المنفرد خلف الصف صحيح، وإليه ذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية، وهو رواية عند الحنابلة.
أما أصحاب القول الأول وهم الحنابلة الذين قالوا بأن صلاة المنفرد خلف الصف لا تصح، فاستدلوا لذلك بحديثِ وابصة بن معبد رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا يصلي خلف الصف وحده، فأمره أن يعيد الصلاة.
وهذا الحديث أخرجه أبو داود والترمذي وأحمد، وهو ثابت بمجموع طرقه وشواهده.
وأيضًا حديث: «لا صلاة لمنفردٍ خلف الصف» ، وله طرق وشواهد متعددة، وقد أخرجه أحمد وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان، ونقل الحافظ ابن حجر في التلخيص عن الأثرم عن الإمام أحمد أنه قال: حديث حسن.
والبوصيري في الزوائد قال: إسناده صحيح.
إذًا هذان الحديثان يدلان على أن صلاة المنفرد خلف الصف لا تصح، هذا هو الذي استدل به الحنابلة لهذا القول.
أما الجمهور فاستدلوا بحديث أبي بكرة رضي الله عنه، لما أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو راكع، فركع دون الصف ثم مشى حتى جلس في الصف، فلما سلم النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «زادكَ اللهُ حرصًا ولا تعد».
وجه الدلالة أن أبا بكرة ابتدأ صلاته منفردًا خلف الصف وأقره النبي صلى الله عليه وسلم على هذا.
والقول الراجح هو القول الأول وهو مذهب الحنابلة، فإن الأحاديث ظاهرة في عدم صحة صلاة المنفرد خلف الصف «لا صلاة لمنفرد خلف الصف»، وأيضًا كون النبي صلى الله عليه وسلم يأمر الذي صلى منفردًا بإعادة الصلاة هذه ظاهرة في الدلالة في عدم صحة صلاة المنفرد خلف الصف.
وأما حديث أبي بكرة الذي استدل به الجمهور فإن الاستدلال به محل نظر؛ لأن أبا بكرة إنما كبّر دون الصف ثم أقام في الصف، فهو لم يستمر منفردًا دون الصف، وإنما مشى حتى كان في الصف، ولمْ يصلِّ ركعةً فأكثر وهو منفرد خلف الصف، إنما صلى جزءًا يسيرًا من أول صلاته، ثم بعد ذلك انتقل وصلى في الصف، فالاستدلال بحديث أبي بكرة غير صحيح.
إنما يصح الاستدلال به لو أنا بكرة صلى ركعةً كاملة منفردًا خلف الصف.
ولذلك لو أن أحدًا أتى وصلى أول صلاته منفردًا ثم أتى مَن صلى معه قبل أن يركع الإمام، قبل أن يرفع الإمام من الركوع، فصلاته صحيحة.
فإذًا الاستدلال بحديث أبي بكرة غير ظاهر، وعلى ذلك فالقول الراجح هو القول الأول وهو أنه لا تصح صلاة المنفرد خلف الصف.
هذا إذا كان هناك فرجة في الصف، أما إذا أتى المأموم ولم يجد فرجةً في الصف، ولم يجد أيضًا.. لم يتيسر له أن يصلي عن يمين الإمام، فقد اختلف العلماء القائلون بأنه لا تصح صلاة المنفرد خلف الصف، اختلفوا في هذه المسألة.
فقال بعضهم: ينتظر حتى يأتي مَن يصف معه، وهذا القول قولٌ ضعيف؛ لأنه قد يأتي مَن يصف معه، وقد لا يأتي، والشريعة لا ترد مثل هذا، الإنسان ينتظر مجهولًا لا يدري هل يأتي أو لا يأتي.
والقول بأنه ينتظر ولو فاتته الجماعة أيضًا قول ضعيف، هذا ليس حلًّا، فهو الآن عنده جماعة يريد أن يلتحق بها؛ ولذلك ذهب بعض العلماء إلى أنه في هذه الحال يصلي خلف الصف وحده، وصلاته صحيحة، وقد اقترح هذا القول أبو العباس بن تيمية، ومن المعاصرين الشيخ محمد بن عثيمين رحمهم الله تعالى.
قالوا: لأن كونه لا يصلي خلف الصف وحده غاية ما في الوجوب، وإذا كانت الأركان والشروط تسقط بالعجز عنها، فهذا الواجب يسقط بالعجز عنه من باب أولى.
فهذا واجب قد عجز عنه هذا الشخص.
بعض فقهاء الحنابلة وهو شائع عند بعض العامة يقول: إنه يجذب واحدًا من الصف الذي أمامه، ولكن هذا القول قول ضعيف؛ إذ أن جذبه لواحدٍ من الصف فيه تعدٍّ عليه، ونقل له من مكان فاضل إلى مكان مفضول، ثم إن فيه تشويشًا عليه، ثم إنه قد يتسبب في فرجة في الصف، ثم إن الشريعة لم ترد بمثل هذا.
ولهذا لما ذُكر هذا للإمام أحمد استقبح هذا، وأيضًا نُقل مثل هذا عن إسحق بن راهوية.
وعلى هذا، فنقول: إذا لم يجد فرجةً في الصف الذي أمامه، فإنه يصلي خلف الصف وحده؛ لأنه قد عجز عن هذا الواجب، والقاعدة الشرعية: لا واجبَ مع العجز.