رابعًا: هل العفو عن الظالم يكون مسقطًا لأجر المظلوم عند الله تعالى؟ إنسان أساء إلىَّ، وقلت: عفوت عنه، أو قلت: حللته أو أبحته، أو قلت له: الله يحللك ويبيحك، هل معنى هذا أن أجرك أنت أيها العافي قد سقط، أم أنه يبقى؟
والإجابة عن هذا نعم، إذن نقول: إن أجر من عفى لا يسقط، لا يسقط أجر من عفى عند الله عز وجل، بل العفو عن الظالم يصيّر أجره على الله، فإنه إذا لم يعف كان حقّه على الظالم، فله أن يقتص منه، أما إذا عفا وأصلح، فأجره على الله، والذي أجره على الله، لا شك أن أجره يكون أعظم مما يقتصه من الظالم.
هذا المعنى قد قرره أبو العباس ابن تيمية وغيره من أهل العلم، ورُوي عن الإمام أحمد في قصة محنته المشهورة؛ أنه لم يخرج من السجن حتى حلل جميع من ظلمه، وقال: ذكرت حديثًا عن الحسن، قال: إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ ألا يقم إلا من وجب أجره على الله، فلا يقوم إلا من عفا وأصلح.
وهذا يدل على فضل العفو، بعض الناس يظن أنه إذا عفا عن أخيه أن أجره سقط، هذا غير صحيح، بل ينتقل أجره من هذا الظالم إلى الله عز وجل؛ يعني بدل ما يأخذ أجره من الظالم يأخذ أجره من الله تعالى.
فإذا أساء إليك أحد، وقلت له: أبحتك، أو حلّلتك، أو عفوت عنك، فأنت أسقطت حقك بالنسبة له، وجعلت أجرك على الله، والأجر الذي تأخذه من الله خيرٌ مما تأخذه من هذا الذي أساء إليك، لو أنك لم تبحه ولم تحلله.
وبعض العامة تجد أنه يقول: والله لا أبيح فلان، أنه فعل بي كذا، وكذا، نقول: إذا لم تبحه فإنما تقتص منه فقط، لكنك إذا أبحته انتقل أجرك على الله، والأجر الذي يكون على الله أعظم بكثير مما تقتصه من هذا الظالم.
وهذا يدل على فضل العفو، ولهذا قال الله تعالى: { فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى: 40]، لكن لا بد أن يكون العبد مقترنًا بإصلاح؛ أي بأن يكون العفو في محله، ممن هو مستحقٌ للعفو، أما لو كان غير مستحق للعفو؛ كأن يكون متجرئًا على الحرمات، وربما لو عفوت عنه تجرأ أكثر على التعدي على الناس أو نحو ذلك، هذا ليس من العفو المحمود، لابد أن يقترن بالعفو إصلاح، بأن يكون العفو في محله.