الخثلان
الخثلان
مقدمة وضوابط مهمة في النوازل - نازلة التصوير
8 شعبان 1439 عدد الزيارات 5639

النوازل الفقيهة: مقدمة وضوابط مهمة في النوازل – نازلة التصوير

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه ، واتبع سنته إلى يوم الدين، أما بعد:

أسال الله تعالى أن يجعل هذا المجلس مجلسا مباركا، وأن يأجر الجميع.

إن هذه المجالس من مجالس الذكر التي أخبر النبي – صلى الله عليه وسلم – أخبر عن مجالس الذكر بأنها تحفها الملائكة، وأن لله تعالى ملائكة سيارة تلتمس مجالس الذكر، فإذا وجدت مجلسا قالوا: هلم إلى حاجتكم فيقول: الله، أشهدكم أني قد غفرت لهم، فتقول الملائكة: يا رب إن فيهم فلان ليس منهم، وإنما أتى لحاجة فجلس معهم فيقول: الله، هم القوم لا يشقى بهم جليس، فلو لم يحصل من يجلس في هذه المجالس إلا هذه الفائدة لكفى والله بها نفعا، وأجرا، وذكرا، أن الله تعالى يذكره فيمن عنده، ويقول: أشهدكم أني قد غفرت لهم، كيف وهو يحصل علما ويستفيد، وقد كان سلفنا الصالح يرتحلون في سبيل الله طلب العلم، ويوجد معنا مجموعة من الأخوة ممن حضروا ممن أتوا من خارج مدينة الدمام، بعضهم أتى من الرياض لأجل هذه حضور هذه الدورة فجزاهم الله خيرا، وهذا يذكرنا فعل السلف الصالح الذين كانوا يرتحلون في سبيل طلب العلم، نسأل الله تعالى أن ينفع بهذه الدروس، وأن يبارك فيها.

أيها الأخوة، كنا قد بدأ في حديث عن النوازل وقسمناها إلى ثلاثة أقسام:

قسم متعلق بالعبادات، وقسم بالمعاملات، وقسم بما عداها.

أما النوازل في العبادات سبق أن تحدثنا عنها العام الماضي، ومن فاته شيء يمكن أن يرجع للتسجيل، كذلك المعاملات سبق أن خصص لها دورة لكن ليس بعنوان النوازل وإنما بعنوان: المعاملات المالية المعاصرة، وهي أيضا مسجلة، وبقي القسم الثالث والأخير وهو: النوازل لغير العبادات، وفي غير المعاملات أيضا وهو ما سنتحدث عنه – إن شاء الله – في هذه الدورة، وسيكون الحديث – إن شاء الله تعالى – أولا: مقدمة عن أهمية العناية بفقه النوازل، وأيضا حقيقة النوازل، والمناهج المعاصرة بالنظر فيها، وكيف يكون الحكم على النازلة، ومزالق النظر في النوازل، وبعد هذه المقدمة نبدأ في الحديث عن أبرز النوازل في غير العبادات، وأيضا في غير المعاملات، ومما سنذكره إن شاء الله الكلام عن التصوير الفوتوغرافي، وموت الدماغ، يرتبط به نقل الأعضاء، ورفع أجهزة الإنعاش عن الميئوس من شفاءه، والأطعمة والأشربة المشتملة على نسبة يسيرة من الكحول، واللحوم المستوردة، والحقوق المعنوية، والتسبيح بالمسبحة الالكترونية، وجوزة الطيب والزعفران، وزراعة الشعر، ثم ننتقل بعد ذلك للكلام عن النوازل في فقه الأسرة، التلقيح الصناعي، وإسقاط الجنين المشوه، وبما يسمى زواج المسيار، وزواج الأصدقاء، والزواج العرفي، والزواج بنية الطلاق، واختيار جنس الجنين، والبصمة الوراثية، ونفقة الزوجة العاملة، وأيضا نوازل أخرى توريث المتسبب في حادث السيارة لمورثه، استخدام البنج لقطع يد السارق، إعادة اليد المقطوعة لصاحبها، القصاص بالكسور والجراح والشجاج، وسرقة الحقوق المعنوية، وربما إذا اتسع الوقت أيضا ننتقل للحديث عن نوازل أخرى، لكن هذه هي النوازل المفترض أننا نتكلم عنها في هذه الدورة – إن شاء الله تعالى -.

لعلي أبدأ بمقدمة فأقول: هذه الشريعة جعلها الله تعالى شاملة لكل ما يحتاج إليه البشر، وجعلها صالحة ومصلحة لكل زمان ومكان، هذه الشريعة من عند الله – سبحانه وتعالى – وقد بين الله – عز وجل – وبين رسوله – صلى الله عليه وسلم – للناس جميع ما يحتاجون إليه، يقول أبو ذر – رضي الله عنه – : «ما توفي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وطائر يطير بجناحيه إلا وقد ذكر لنا منه شيء» والله تعالى أنزل على نبيه – صلى الله عليه وسلم – قوله: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا قد أكمل الله الدين، وأتم النعمة، وجعل هذا الدين كاملا، وطالب العلم عندما يطلب العلم عليه أن يعنى أولا: بجانب التأصيل، إنه لا يستطيع أن يطلب العلم ما لم يكن مؤصلا، وأن يتبع المنهجية الصحيحة لطلب العلم، ولابد أن يأخذ بقدر معين بجميع العلوم الشرعية، لا يقل عن هذا القدر لكن أهم العلمين الذي ينبغي التركيز عليهما العقيدة والفقه، العقيدة لا يخفى أهمية العناية بالمعتقد الصحيح، والفقه يمثل حياة الناس العملية، الناس عندما تستفتي تسأل في الغالب عن الأسئلة الفقهية، أحكام الصلاة، والزكاة، والصيام، والمعاملات، والأطعمة، والأشربة، هذا يبين لنا أهمية هذين العلمين، مع العناية أيضا بالعلوم الأخرى خاصة ما كان متعلقا بكلام الله، وكلام رسوله – صلى الله عليه وسلم – فعندما نتكلم عن الفقه فنجد أن بعض طلبة العلم يركز على ضبط كلام العلماء المتقدمين، وهذا بحد ذاته شيء حسن، لكنه يغفل معرفة أحكام المستجدة، وأحكام المسائل المستجدة والنوازل، فإذا سئل عن مسألة جديدة، أو عن نازلة قال: ما عندي فيها علم، وهذا يعتبر قصور لدى طالب العلم، لابد أن يكون هناك توازن لطلب العلم بأن يكون هناك عناية بكلام العلماء المتقدمين، وأن يتوفر لدى طالب العلم الحد الأدنى لمعرفة هذه النوازل وقضايا المستجدة، ومثل هذه الدورات: تحقق الحد الأدنى لمعرفة حكم هذه النوازل، ولكنها لا تغني طالب العلم عن التوسع، وأن يستزيد علما في معرفة أحكامها، لكن تعطي مفاتيح، وتحقق الحد الأدنى في معرفة أحكامها وتصورها.

عندما نقول النوازل: المقصود بالنوازل معناها في اللغة: جمع نازلة، والنازلة هي المصيبة الشديدة من مصائب الدهر، كما قال الشاعر:

      ولرب نازلة يضيق بها الفتى ذرعا                وعند الله منها المخرج

ومن ذلك: قنوت النوازل، يعني الشدائد التي تحل بالمسلمين.

ومعنى النوازل اصطلاحا: الوقائع الجديدة التي لم يسبق فيها نص ولا اجتهاد.

فقولنا: الوقائع يعني كلما يقع للناس من مسائل وقضايا تحتاج لبيان الحكم الشرعي فيها سواء أكانت في العبادات أو في غيرها.

وقولنا: الجديدة يخرج بها المسائل القديمة التي تكلم عنها العلماء السابقون.

قولنا في التعريف التي لم يسبق فيها نص أو اجتهاد: هذا قيد يخرج به المسائل المنصوص عليها، أو المسائل التي سبق فيها اجتهاد أو فتيا من العلماء السابقين.

النوازل عندما تطلق يراد بها المسائل الجديدة التي لم يسبق الكلام فيها، ويراد بها أيضا: المسائل القديمة لكن طرأ عليها ما يقتضي إعادة النظر فيها، هي مسائل قديمة لكن طرأ عليها ما يقتضي إعادة النظر فيها.

يعني لو ضربنا في هذا مثالا، مثلا: إخراج الشعير في زكاة الفطر، كان الناس في زمن النبي – عليه الصلاة والسلام – يخرجون الشعير، لكن لو أراد أحد الآن في وقتنا الحاضر أن يخرج الشعير في زكاة الفطر نقول: أن هذا لا يجزئ لأن الشعير الآن في وقتنا أصبح علفا للبهائم، وليس قوت للآدميين، هنا هي مسألة قديمة طرأ عليها ما يستدعي إعادة النظر فيها، إعادة النظر فيها يكون بمقتضى النصوص، ومقتضى الأصول والقواعد الشرعية ونحو ذلك، مثلا قضية الشعير نعرف الآن مقصود الشارع من زكاة الفطر هو إعطاء الفقراء ما يكون قوتا لهم يستغنون به عن السؤال يوم العيد، وهذا لا يحقق إخراج الشعير في وقتنا الحاضر، وهذا المصطلح مصطلح النوازل كان بعض العلماء يستخدمونه الحافظ بن عبد البر في كتابه: «جامع بيان العلم وفضله» قال: «باب اجتهاد الرأي على الأصول عند عدم النصوص في حين نزول النازلة» وقال النووي في الشرح على مسلم: فيه اجتهاد الأئمة في النوازل، وردها إلى الأصول، ابن القيم أيضا في : «إعلام الموقعين» يقول: قد كان أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – يجتهدون في النوازل، ابن الرشد الجد المتوفى سنة: 520 له كتاب بعنوان: «نوازل ابن رشد» وبعضهم يسميه فتوى ابن الرشد، أو أجوبة ابن رشد، هذا المصطلح مصطلح قديم ومعروف.

عندما ننظر لكيفية تعامل الصحابة – رضي الله عنهم – مع النوازل، في عهد النبي – صلى الله عليه وسلم – كان هو المرجع للصحابة، هو المرجع للناس لكن بعد وفاته النبي – صلى الله عليه وسلم – حصلت قضايا ونوازل جديدة فكيف تعامل الصحابة مع هذه النوازل وهذه القضايا؟

أقول: إن الصحابة – رضي الله عنهم – كانوا إذا نزلت بهم النازلة يجتمع علمائهم ويتشاورون، ويتباحثون فيها، ثم يخرجون عن رأي، وهذا ما يسمى بالاجتهاد الجماعي، وأذكر لهذا مثلا: قصة عمر – رضي الله عنه – لما خرج إلى الشام حتى إذا كان بالطريق أخبر بأن الطاعون قد وقع بأرض الشام، ومعه جيش، وهو الآن أمام نازلة، هو يسير بجيشه إلى الشام، وأخبر بأن الطاعون وقع بأرض الشام، ما الذي فعله عمر؟

جمع الصحابة، بدأ أولا بالمهاجرين واستشارهم، وأخبرهم بأن الوباء قد وقع بأرض الشام، فما رأيكم هل نرجع أو نستمر؟ فاختلفوا قال بعضهم: نرجع، وقال بعضهم: لا بل نحن قد خرجنا لأمر فلا نرجع، ومنهم من قال: معك بقية أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – ونرى ألا تقدم بهم على هذا الوباء، فقال عمر: ارتفعوا عني، ثم دعا الأنصار فاستشارهم فاختلفوا كما اختلف المهاجرون، ثم دعا من كان ممن مشيخة قريش من مهاجرة الفتح فدعاهم فلم يختلفوا في أن يرجع عمر، وألا يقدم بالناس على هذا الوباء، فلما رآهم عمر قد أجمعوا ولم يختلفوا نادى في الناس بالرجوع، فقال أبو عبيدة: «يا أمير المؤمنين، أفرارا من قدر الله؟» قال: «لو قالها غيرك يا أبا عبيدة، نحن نفر من قدر الله إلى قدر الله، أرأيت إن كان لك إبل هبطت واديا له عدوتان إحداهما: خصبة، والأخرى: مجدبة، أليس إن رعت الخصبة رعت بقدر الله، وإن رعت المجدبة رعت بقدر الله؟» فانظر إلى فقه عمر – رضي الله عنه – بعد ذلك وهو متجهزون للرجوع جاء عبد الرحمن بن عوف وقد تغيب لحاجته وقال: إن عندي في هذه علما، إني سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: «إذا وقع الطاعون بأرض فلا تقدموا عليها، وإذا وقع بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا منها» فحمد الله عمر والصحابة وكبروا، أنهم اجتهدوا ووفق الله تعالى للصواب، فانظروا إلى هذه القصة العظيمة التي أوردها البخاري وغيره، وانظروا كيف تعامل الصحابة مع هذه النازلة، عمر بإمكانه أن يقرر من نفسه، هو أمير المؤمنين، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، أحد الخلفاء الراشدين، لكن لم يكن يفعل هذا عمر، وليس هذا منهج الصحابة وإنما منهجهم التشاور، الإنسان يبقى بشرا ضعيفا، قد يذهل عن أبسط الأشياء، ولذلك لابد من التشاور، والتباحث، والسؤال، فجمع عمر الصحابة ثلاث مرات وهو يجتمع معهم حتى فتح الله عليهم وخلصوا إلى رأي تبين لهم فيما بعد أن هذا الرأي هو الصواب، وكما يقول بعض السلف: «ما تشاور قوم إلا وفقهم الله للصواب» ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ فمثل هذه القضايا والنوازل التي تهم الأمة، وتهم عموم الناس ينبغي ألا ينفرد فيها عالم برأيه، وإنما يكون هناك اجتهاد جماعي، هذا هو منهج الصحابة – رضي الله عنهم – وأيضا هو منهج التابعين من بعدهم، وعلى القرون الماضية كان أهل العلم يجتمعون ويتشاورون في النوازل، وفي وقتنا الحاضر أيضا الأمة لا تزال بخير هناك عناية كبيرة بفقه النوازل، والقضايا والمسائل المستجدة، وقد أصبح هناك مؤسسات علمية ترعى الاجتهاد الجماعي، وتعنى بدراسة النوازل والقضايا المستجدة، ومن أبرزها: المجامع الفقهية، وهناك عدة مجامع من أبرز هذه المجامع: المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي، وهو من أقدمها، له قرابة خمسة وأربعون عاما، وينعقد كل سنتين تقريبا، كان يرأسه الشيخ عبد الله بن حميد – رحمه الله – ثم بعد ذلك سماحة شيخنا عبد العزيز بن باز، ثم سماحة المفتي الآن الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، ويضم نخبة من فقهاء العالم الإسلامي، يستكتب بعض المختصين إذا كانت القضية اقتصادية استكتب اقتصادي، إذا كانت طبية استكتب طبيب، إذا كانت فلكيه استكتب فلكي، وهكذا.. ثم تعرض يعرض المختصون ما لديهم، ويعرض ويستكتب باحثون من طلبة العلم، ويحصل نقاش مستفيض في تلك القضايا والنوازل، ثم إن رؤيا بعد ذلك بأن الموضوع قد نضج، وقد أخذ حقه من البحث، أو من المناقشة، يصدر قرار، وإن رؤيا إنه لم يستكمل البحث والمناقشة يؤجل لمزيد من الدراسة، وأيضا: مجمع الفقه الإسلامي الدولي بمنظمة التعاون الإسلامي، وأيضا هو له تقريبا أربعون عاما، المفترض من نظامه أنه ينعقد كل سنة، لكن عمليا هو ينعقد كل سنتين أو ثلاثة، وفي كل عام في دولة من دول العالم الإسلامي، لكن مقره جده، وصدر منه قرارات أيضا في بعض القضايا والنوازل، يمكن أن يستفيد منها طالب العلم، وهناك مجامع فقهية أخرى لكن أكثرها محلية، مثل: مجمع الفقه في السودان، مجمع الفقه في الهند، وغيرها.. وهناك بعض الهيئات العلمية التي أيضا لها عناية الاجتهاد الجماعي ومنها: هيئة كبار العلماء في المملكة، وتنعقد بجميع أعضائها كل ستة أشهر، وغالب ما يعرض عليها من النوازل والقضايا المستجدة، وهناك أيضا دور الإفتاء في دول العالم الإسلامي، والهيئات الشرعية في المصارف فيما يتعلق بالمعاملات المالية، الرسائل العلمية أيضا لها عناية بفقه النوازل، فمثلا: عندنا في كلية الشريعة في قسم الفقه بكلية الشريعة بالرياض عندنا مشروع النوازل بجميع أبواب الفقه من الطهارة إلى الإقرار جميع أبواب الفقه، كلها في رسائل علمية، هذه كلها عنيت بهذا الفقه وهو فقه النوازل.

لكن يا إخوان أأكد على ما ذكرته من أن طالب العلم لابد أن يكون لديه الحد الأدنى لتصور ومعرفة حكم كل نازلة، لابد، يعني لا يحسن وأنت طالب علم الآن أن يأتيك إنسان يسألك عن مسألة مستجدة، أو نازلة، ما يكون عندك فيها شيء إطلاق، على الأقل تضبط آراء المجامع الفقهية، أو مثلا كبار أهل العلم، تضبط آراءهم فيها، هذا هو الحد الأدنى، عندما ننظر إلى المناهج المعاصرة عند النظر في النوازل نجد أن هناك ثلاثة مناهج:

المنهج الأول: منهج التضييق والتشديد، ومن سمات هذا المنهج: أن معظم من يفتي ممن ينتهج هذا المنهج، معظم ما يفتي به التحريم، كل شيء حرام، حرام ويشدد، ويضيق على الناس، والتشديد في الحقيقة وأيضا من أبرز ما عالمه: المبالغة في سد الذرائع، والمبالغة في الاحتياط عند كل خلاف، والتشديد كل يحسنه، من السهل تقول: حرام وتنتهي في أية مسألة جديدة لا يجوز وتنهي المسألة، ولكن هذا ليس علما، العلم كما يقول سفيان: «التشديد كل يحسنه، إنما العلم الرخص عن الثقات» والإنسان إذا سئل عن مسألة إن كان يعلم أجاب، وإن كان لا يعلم فيقول: الله أعلم، أو يقول: لا أعلم، ولا يجوز له أن يقول: حرام وهو لا يعلم، بعض الناس يرى أنه إذا قال: حرام، يعني خرج من العهدة، وبعضهم ربما يرتاح نفسيا، وهذا غير صحيح، تحريم الحلال مثل تحليل الحرام أو أشد؛ لأنه على الأقل تحليل الحرام هو مع الأصل وهو البراءة الأصلية، لكن إذا قال: حرام، نقل المكلف عن البراءة الأصلية، وقد أنكر الله تعالى على المشركين تحريم كثير مما أباح الله لهم، اقرأ سورة المائدة وسورة الأنعام تجد أن الله – عز وجل – أنكر على المشركين تحريم كثير مما أباح الله للناس، كما قال – سبحانه - : ﴿ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ ۖ مِّنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ ۗ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنثَيَيْنِأَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنثَيَيْنِ ۖ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ ۗ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنثَيَيْنِ ۖ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَٰذَا ۚ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِّيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ انظر إلى التشديد في هذه المسألة، كل إنكار على المحرمين، إنكار على المحرم بغير علم، ولهذا قال: ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِّيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ فالتحريم بغير علم هذا لا يجوز، وأيضا ذكر الله تعالى في سورة المائدة أنكر على من حرم الحلال ﴿مَا جَعَلَ اللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ ۙ وَلَٰكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۖ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ والآيات في هذا كثيرة يكفي أن تقرأ سورة المائدة وسورة الأنعام ففيها الإنكار الشديد على من حرم بغير علم، هذا المنهج يسلكه بعض الإخوة في زعمهم أن هذا هو الورع، وأن هذا هو الاحتياط، وأن هذا يمنع الناس من التحلل، هذا غير صحيح، المسألة مسألة حلال وحرام لا يجوز لك أن تتخوض فيها وتتكلم فيها بغير علم، إذا هذا المنهج منهج غير سديد.

 يقابل المنهج الثاني: وهو منهج التساهل والانحلال، كما يعبر عن ذلك الشاطبي، والتوسع الزائد وهذا يوجد لدى بعض المفتين نجد عندهم تساهلا كبيرا في كثير من المسائل، ومعظم أجوبة المفتين ممن ينتهج هذا المنهج، كل شيء يجوز حلال، لا تحرموا على الناس، لا تشددوا على الناس، ومن أبرز ملامح هذا المنهج الإفراط بالعمل بالمصلحة ولو عارضت النصوص، الناس لهم مصلحة في هذا الشيء، في نص يمنع من هذا لا تحول بين الناس وبين مصالحهم، ومن أبرز ملامح هذا المنهج: تتبع الرخص، والتلفيق بين المذاهب، والمبالغ في الأخذ بالحيل الفقهية، والبحث عن الآراء الشاذة وإبرازها، وتبنيها، فهذا أيضا المنهج منهج خطير لا يقل خطورة عن المنهج الأول، بعض الناس يريد أن يخضع الشريعة للواقع، فيجعل الشريعة تجيز ما هو واقع، وهذا خطأ والواجب أن نخضع الواقع لشريعة الله، هذا هو الواجب، أن يخضع الواقع لشريعة الله – عز وجل – فما كان حلالا أحللناه، وما كان حراما حرمناه، ولا نتأثر بضغط الواقع، ونحاول أن نبحث عن المخارج والحيل وتميع النصوص لأجل مسايرة الواقع، فينبغي إذا أن يعظم طالب العلم الدليل، ويجعل الواقع تبعا للدليل، إذا هذان المنهجان منهجان خاطئان غير سديدين.

المنهج الثالث: منهج الاعتدال المبني على الدليل، فلا تشديد ولا تساهل إلا فيما شددت فيه الشريعة فيشدد فيه، لكن كسمة عامة الاعتدال مع النظر للأصول والقواعد الشريعة، والنظر في مقاصد الشريعة، قال الشاطبي – رحمه الله - : «المفتي الغالب ذروة الاجتهاد هو الذي يحمل الناس على المعهود الوسط، فلا يذهب بهم مذهب الشدة، ولا يميل بهم إلى طرف الانحلال، والدليل لصحة هذا: أن هذا هو الصراط المستقيم، فإن الصراط المستقيم وسط بين الطرفين، وهو الصراط المستقيم الذي جاءت به الشريعة» إلى آخر ما قال، ويعني الشاطبي – رحمه الله – له كلام جيد في هذه القضية، ولكن منهج الاعتدال قلنا: هو المنهج الصحيح، وهو المنهج الصواب لكن ليس دائما الوسط هو الصواب، فقد يكون الصواب هو التشديد في بعض القضايا، وقد يكون الصواب هو التسامح في بعض القضايا، فإذا المعول عليه الدليل من الكتاب والسنة، فما شددت فيه النصوص يشدد فيه، وما جعلت النصوص فيه سعة يتسامح فيه، فمثلا المعاملات المالية من غير البعيدة عن الربا الأصل فيها الحل والإباحة فلا يشدد فيها، لكن دائرة الربا هذه يشدد فيها؛ لأن الشريعة شددت فيها، عمليات التجميل الشريعة شددت فيها التي فيها تغيير لخلق الله، التجميل التي فيها تغيير لخلق الله شددت فيها الشريعة، فلعنت الواصلة والمستوصلة، والواشمة، والمستوشمة، النامصة والمتنمصة مع أنها قد يظنها بعض الناس مسألة سهلة مجرد النمص ترقيق الحاجب لكن المسألة فيها لعن وهذا يدل على التشديد في هذه القضية فلابد من التشديد فيها، إذا الصواب: هو الاعتدال المبني على الدليل، فما شددت فيه الشريعة يشدد فيه، وما جعلت فيه سعة يتسامح فيه، هذا هو المنهج الحق، وهو منهج الراسخين في العلم، فلا تشديد ولا تساهل.

أما كيفية الحكم على النازلة: فلابد عند النظر في النازلة من التصور قبل الحكم عليها، والخطأ في تصور المسألة يؤدي إلى الخطأ في الحكم، التصور مهم جدا، ولهذا عند العلماء مقولة مشهورة: «الحكم على الشيء فرع عن تصوره».

ابن القيم – رحمه الله – يقول: «لا يتمكن المفتي ولا الحاكم بالحق إلا بنوعين من الفهم:

الفهم الأول: فهم الواقع والفقه فيه.

الفهم الثاني: فهم حكم الله ورسوله في هذا الواقع.

ثم يطبق أحدهما على الآخر» إذا لابد من هذين الفهمين، الفهم الأول: الذي عبر عنه ابن القيم بفهم الواقع وهو التصور الصحيح للمسألة والنازلة، وهذا له أثر كبير، وهذه هي الإشكالية الكبيرة في الوقت الحاضر عند النظر في النوازل، تجد بعض الناس عنده علم غزير لكن المشكلة عندما ينظر لنازلة يكون تصوره قاصرا، لا يفهم النازلة الفهم الصحيح، ولا يتصورها التصور الدقيق، ولهذا ينبغي عند النظر في النوازل الاستعانة بالمختصين، قد تكون المسألة مثلا معقدة، تكون المسألة اقتصادية، فيستعان بالاقتصادي، قد تكون طبية يستعان بالأطباء، فقد تكون متعلقة بعلوم أخرى فيستعان بالمتخصصين أهل التخصص في تلك العلوم، فأكبر ما يكون الخطأ في الحكم على النوازل من جهة الخطأ في التصور، ولذلك التصور مهم جدا، وفهم واقع المسألة مهم جدا، ستأتينا أول مسألة بعد قليل مثلا التصوير الفوتوغرافي الخلاف في التصوير الفوتوغرافي بسبب الخلاف في التصور، التصور التصوير حقيقته، طريقته هي سبب الخلاف في التصوير، فمن رآه أنه صورة بالمعنى الشرعي قال: إنه محرم، ومن رأى أن ليس صورة بالمعنى الشرعي قال: ليس هو التصوير المحرم، إذا التصور هنا مؤثر على الحكم في النازلة، ثم بعد ذلك يعني بعد التصور الكامل، والفهم الكامل للنازلة ينتقل لتطبيق الحكم على النازلة، وهذا التطبيق تطبيق مهم لابد من أن يكون هناك رسوخ في العلم، وفهم صحيح لأمور الشريعة لأجل تطبيق ذلك الحكم على النازلة، المسائل والقضايا الجديدة ينبغي عدم الاستعجال في الحكم عليها؛ لأنها أحيانا أول ما تكون المسألة جديدة ترد إلينا وهي غير مكتملة التصور والتصوير، ثم بعد ذلك تتضح المسألة مع مرور الزمن شيئا فشيئا، ثم تتضح أمور لو اتضحت لمن استعجل في الفتيا فيها من أول مرة لربما كان له رأي آخر.

أضرب لهذا مثلا: الأوراق النقدية أول ما خرجت كان هناك فتاوى لبعض كبار أهل العلم فيها أنها ليست نقدا وأنها كذا، لكن مع مرور الوقت اتضح أمرها أكثر، ثم اتضح أكثر، ثم استقر رأي العلماء المعاصرين فيها على أنها نقد قائم بذاته، يأتي في الوقت الحاضر من يأخذ رأي عالم من العلماء الذين ذكروا حكما في أول أمرها قبل اكتمال التصور فيها، ويحتج به ويقول: إنها كذا وكذا، فأقول: عند القضايا والمسائل المستجدة ينبغي عدم الاستعجال في الحكم عليها حتى يكتمل التصور.

أضرب مثالا من الواقع المعاصر الآن لمسألة الجديدة العملات الرقمية بالتكوين مثلا، سئلت بالأمس أكثر من سؤال عن حكمها، حقيقة هي حتى الآن تصورها غير مكتمل، فيها غموض، فيها أمور غير واضحة لنا ما ندري يعني مثلا: منشأها ومصدرها، من الذي أنشأها؟ ومن الذي أصدرها؟ ومن الجهة التي تبنتها؟ وما هي مرجعيتها؟ وما سبب التذبذب الكبير فيها؟ التذبذب من ثمانية عشرة ألف دولار إلى ثمانية آلاف، تذبذب كبير، ما سبب هذا التذبذب؟ هذا سؤال كبير، كل هذه الأسئلة الأجوبة عنها غير واضحة، ولذلك لا نستطيع أن نحكم عليها الآن، لكن يمكن على سبيل النصيحة يقال للناس: لا تستعجلوا في التعامل بها، مثلا: كثير من الدول حضرت من التعامل بها ومنها مؤسسة النقد هنا عندنا في المملكة، أصدرت قبل فترة تحذيرا من التعامل بها، وأما الحكم الشرعي يحتاج إلى اكتمال التصور، وأنا عندي أن التصور عندها الآن غير مكتمل، وفيها غموض، وليست واضحة تماما، ولذلك حتى بعض أيضا طلبة العلم المختصين بالمعاملات والمهتمين بها أيضا هم عندهم نفس الأمر، ذكروا أنهم تصورها لديهم غير واضح تماما، هناك غموض في هذه العملات، ولو قيل: للناس مثلا بالجواز واكتتبوا ربما يكون في هذا تغرير بهم مع هذا التذبذب الكبير، ولو قيل: بعدم الجواز ما ندري في المستقبل ربما تكتسح العالم وتصبح هي العملات التي يعتمد عليها الناس، ينبغي هنا التثبت والتريث حتى تتضح أكثر.

هناك مزالق عند دراسة النوازل يقع فيها بعض الناس من هذه المزالق: تفكيك النازلة وتقسيمها إلى أجزاء، وهذا التفكيك هذا قد يتسبب في الخطأ في الحكم على النازلة، وأضرب لهذا مثالا تورق المنظم، التورق المنظم عندما يأتي إنسان بمصرف ويقول: أريد نقدا، أريد سيولة، يقول: نبيع عليك سلعا بثمن مؤجل، ثم توكلنا في بيعها على طرف ثالث، هناك من يأتي ويفكك هذه المسألة يقول: البيع بالمؤجل هذا يجوز، الوكالة تجوز، فينظر للبيع على أنه مسألة مستقلة، والوكالة على أنها مسألة مستقلة، لكن في الحقيقة هذا العميل أتى للبنك مجرد أنه وقع على الشراء، ثم وقع على الوكالة، ثبت في ذمته دين، وحصل ما أراد من السيولة النقدية، هذه المعاملة بهذه الطريقة فيها عدة محاذير، إذا كانت السلعة غير مملوكة للمصرف، أو غير مقبوضة، أو غير متعينه، فهذا يفضي إلى أن المصرف سيبيع ما لا يملك؛ لأن يقول: نحن نملك أرز، نملك حديد، نملك معادن، والبنك صادق ويملك، لكن لو أن كل عميل أخذ سلعته، لم تف هذه السلع لجميع العملاء، فهذا يفضي إلى أن البنك يبيع ما لا يملك، فإذا نظرت للمسألة مفككة، أن هذا بيع، وأن هذا وكالة تقول: هذه تجوز، لكن لو نظرت لها مجتمعة، وأن المسألة كلها صورية من أجل الحصول على السيولة النقدية مقابل مبلغ يثبت في الذمة، فهذا لا يجوز، هذا هو الذي دعا المجامع الفقهية لتحريم التورق المنظم إذا كان بهذه الطريقة، لكن بعض المصارف الإسلامية تلافت المحاذير التي وقعت المحاذير التي ذكرت في التورق المنظم فقالوا: نحن نشترط على البنك أنه لا يبيع سلعة إلا وهو يملكها، ويقبضها، وعندما يبيعها على العميل يبيعها وهي متعينة، بحيث تكون بأرقام متسلسلة فالعميل عندما يشتري هذه السلعة، لا تباع هذه السلعة على عميل آخر، والعميل بعد ذلك هو بالخيار إن شاء الله باعها بنفسه، وإن شاء وكل البنك بهذه الطريقة تزول الإشكالات في التورق المنظم، إذا التفكيك للمسألة هذه من المزالق عند النظر في النوازل.

ومن المزالق أيضا: التاثر بضغط الواقع وهذا أشرت إليه قبل قليل، وهذا في الحقيقة إشكالية كبيرة لدى بعض طلبة العلم، التأثر بضغط الواقع ينبغي ألا يكون هناك تأثر بالواقع عند النظر في النوازل، وإنما يحرص طالب العلم على التجرد، صحيح أن تصحيح معاملة الناس مطلوب ما أمكن، لكن لا يكون هذا بلي أعناق النصوص، وتمييع النصوص لأجل أن تساير الشريعة الواقع، وإنما الواجب هو إخضاع الواقع للشريعة.

هذه مقدمة بين يدي هذه الدورة، وأنها مقدمة مهمة لطالب العلم، بعد ذلك لعلنا نبدأ الحديث عن بعض النوازل بغير العبادات، وغير المعاملات.

نبدأ أولا: التصوير الفوتوغرافي.

التصوير الفوتوغرافي أول ما ظهر أطلق عليه تصوير، وصورة، وكان كثير من العلماء يشدد فيه، أخذا من النصوص التي شددت في شأن التصوير، بل إن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون» «لعن الله المصور»«من صور صورة كلف بأن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ»«ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي يضاهئون خلق الله» فالعلماء أمام هذه النصوص التي شددت في التصوير كانوا قديما كان كثير منهم يشدد في هذه القضية، لكن مع مرور الوقت أصبحت قضية التصوير من جهة التصور تتضح أكثر فأكثر، فحصل بذلك يعني اختلاف كثير في التوجه، يعني كان توجه أكثر العلماء السابقين هو التحريم، أما بالنسبة لأكثر العلماء المعاصرين هو الجواز، ولا يقال: إن الناس قديما كانوا يحرمون والآن حللوا، وهذا غير صحيح، وإنما هذا سار تبعا لظروف النظر لهذه النازلة.

إذا هذه النازلة نريد الآن نعرف التصور الصحيح للتصوير، وهل هو بالفعل تصوير أو ليس بتصوير؟

ما يسمى بالتصوير الفوتوغرافي ومثله التصوير التلفزيوني، هو يعتمد على عكس الصورة الحقيقية كما خلق الله تعالى، لكنها تعالج بحكم التقنية الحديثة، تعالج معالجة سريعة، تجعل الصورة الفوتوغرافية تثبت، والصورة التلفزيونية تسرع سرعة كبيرة لا تدركها العين، ويقال: إن هذه السرعة تتراوح ما بين ستة عشر إلى أربع وعشرين مرة في الثانية، ليس بالدقيقة في الثانية، وهذه لا تدركها العين، ولذلك فكرة التصوير الفوتوغرافي هي نفسها فكرة التصوير التلفزيوني لا فرق، ومن فرق بينهما فليس عنده فهم صحيح لهذه القضية، وتصور دقيق لها، الفكرة واحدة، فالفكرة تعتمد على عكس الصورة الحقيقية كما خلق الله – عز وجل – وليس إنشاء شكل جديد، أرأيت صورتك في المرآة ما هي صورتك في المرآة هل هي شكل جديد أم أنها صورتك الحقيقية المنعكسة؟ هي في الحقيقة صورتك كما خلقك الله لكن انعكست لك، فرأيت صورتك في المرآة، الماء عندما تنظر للماء وتظهر، الماء الكثير وتظهر صورتك فيه هل هي شكل جديد لك أم أنها صورتك الحقيقية؟ هي صورتك الحقيقية لكنها انعكست عن طريق الماء، ولم يقل: أحد من أهل العلم قديما ولا حديثا بأن صورة الإنسان في المرآة أو أن صورته في الماء أنها صورة محرمة، بحكم التقنية الحديثة أخذت فكرة صورة الإنسان في المرآة، صورته في الماء ونحو ذلك وعولجت عبر وسائل التقنية الحديثة فأصبحت تنتج التصوير الفوتوغرافي، ثم تطورت هذه الفكرة وقيل: تسرع هذه الصورة سرعة كبيرة، يعني تصل إلى أربع وعشرين مرة في الثانية، فأنتج ذلك التصوير التلفزيوني، وعلى ذلك التصوير الفوتوغرافي والتلفزيوني هو في الحقيقة عكس للصورة الحقيقية كما خلق الله – عز وجل – وليس صورة بالمعنى الشرعي، ولهذا فالوصف الدقيق أن يقال: إنه عكس وليس صورة، وقد كان الناس عندنا هنا في المملكة العربية السعودية قديما كانوا يسمون الصورة عكسا، ويقول: أنا أريد أن أذهب أعكس، وعندي عكس، ويسمون الصورة عكوس، أذكر أن الناس كانوا قديما يسمونها عكس، في الحقيقة أن هذا هو الوصف الدقيق لها وليست صورة، وعلى هذا فالذي يظهر أنها لا تدخل في الصور المحرمة، هذا الذي يظهر؛ لأنها إنما هي انعكاس لصورة حقيقية.

ومما يدل لذلك أن علة النهي عن التصوير لماذا نهت الشريعة عن التصوير ووردت فيها هذا التشديد، ما هي علة النهي عن التصوير؟

العلة المجمع عليها والمنصوص عليها المظاهات لخلق الله، ومما يدل لذلك النصوص يعني بعض النصوص السابقة صرحت بهذا قال الله: «ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي يضاهئون خلق الله» علة النهي عن التصوير هي المضاهاة والمحاكاة لخلق الله – عز وجل – وهذا غير منطبق على الصور الفوتوغرافية والتلفزيونية، ليس فيها محاكاة لخلق الله، وليس فيها مضاهاة لخلق الله، ومن صور صورة فوتوغرافية لا يتعجب الناس منه يقول: كيف صورتها؟ هي مجرد انعكاس لصورتك كما خلقك الله – عز وجل – فعلة النهي عن التصوير غير منطبقة على التصوير الفوتوغرافي، والتصوير التلفزيوني.

فإن قال قائل: إنها تسمى صورة، والناس يسمونها صورة، أو تصويرا، والذي يعمل ذلك يسمى مصورا، كيف تقولون أنها لا تعتبر صورة بالمعنى الشرعي؟

الجواب: أن العبرة بالحقيقة وليست العبرة بالتسمية، أرأيت لو سمى بعض الناس الخمر بغير اسمها لو سموها مشروبا روحيا، أو سموها بأي اسم هل هذا ينقل الحكم من التحريم، أبدا هي خمر، سواء سميتها خمرا أو سميتها بأي اسم آخر تبقى خمرا، العبرة بالحقيقة، هكذا أيضا نقول: هذا العمل العبرة بحقيقته سواء سماها النص صورة، أو سموها عكسا، أو سموها بأي اسم آخر، العبرة بحقيقته، هل تنطبق عليه علة النهي عن التصوير؟ الجواب: لا تنطبق، ثم أيضا كما ترون الآن معظم الأمة واقعون في هذا، لا أقول هذا من باب التأثر بضغط الواقع، لكن أقول هذا من باب بيان خطورة الحكم في هذه المسألة بالتحريم، أقول معظم الأمة لا يقل عن تسعين في المائة واقعون في هذا، الصور إما في الجوال، أو أنه يصور في الجوال، أو حتى كما ترون الآن في هذه الدورة كمره أمامنا الآن، ويعني لا يقل تسعين في المائة، والتصوير من كبائر الذنوب، وفاعل ذلك يعتبر فاسقا، فلا نجرأ على تفسيق معظم الأمة إلا بدليل واضح كالشمس، أن هذا فيه جرأة عظيمة، لو قلت: إن هذا من التصوير المحرم، معنى ذلك أنك حكمت على الشريحة الأعظم من المسلمين بالفسق، وأيضا حكمت على أن معظم الأمة لا تدخل بيوتها الملائكة، لو كان عندنا شيء واضح في هذا لا يهمنا ولا نتأثر بضغط الواقع، لكن ما عندنا شيء واضح، بل الواضح خلافه، فلا نجرأ إذاً على الجزم بأن هذا من التصوير المحرم الذي شددت فيه الشريعة إلا بأمر واضح كالشمس؛ لأننا إذا نظرنا إلى مآلات هذه المسألة نجد أن مآلاتها كبيرة وخطيرة، فهذا يستدعي أن من أراد أن يحكم عليها بالتحريم، وأنها من الصور المحرمة، وأنها يستحضر هذا المعنى، وأنه يفسق أكثر المسلمين، ويحكم بأن الملائكة لا تدخل بيوت معظم المسلمين.

وهناك بعض العلماء سمعت لهم تنظيرا آخر يقولون: أنها محرمة لكن يجيز ما كان فيه مصلحة، وعندي أن هذا الطرح طرح غير صحيح، وغير موفق، إذا كانت محرمة ما نجيز منها شيء إطلاقا؛ لأن النصوص شددت فيها «لعن الله المصورين»«ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي» الشريعة شددت فيها «أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون» كيف نجيز منها ما تدعو إليه المصلحة؟ هذا الطرح طرح غير صحيح، فإما أن نقول: أنها لا تدخل في التصوير المحرم، أو نقول: إنها تدخل ونمنع، ما نجيز منها شيء، لكن هناك أيضا طرح آخر ما يجاز منها ما تدعو إليه الضرورة، لكن أنا أعتبر الطرح بأنه يجوز ما تدعو إليه المصلحة أنه طرح غير سديد، وغير صحيح، ومخالف للنصوص والقواعد.

وأيضا من الأطروحات في هذه النازلة الطرح بإيجازة التصوير التلفزيوني ومنع التصوير الفوتوغرافي هذا الطرح مبني على تصور غير دقيق، لحقيقة التصوير، فكرة التصوير التلفزيوني هي نفسها فكرة الفوتوغرافي إلا أن هذه مسرعة وهذه مثبتة، هذه من الأخطاء في هذه النازلة، وكما ترون جميع الأخطاء ترجع الخطأ في التصور، هذا يبين لنا أهمية تصور النازلة، والذي يظهر والله أعلم في هذه النازلة هو القول بالجواز، لكن أيضا نضع ضوابط إذا قلنا بالجواز لا نفتح الباب على مصراعيه وإنما نضع ضوابط.

الضابط الأول: ألا تكون الصورة لنساء إلا عند الضرورة؛ لأن صورة المرأة قد تقع في يد رجل أجنبي، فينظر لها، ولا يجوز للرجل الأجنبي أن ينظر للمرأة الأجنبية.

الضابط الثاني: ألا تعلق هذه الصور؛ لأن تعليقها ذريعة لتعظيمها، وقد يفضي هذا لوقوع الشرك، ولا يقول قائل: نحن الآن في عصر التقنية، وفي عصر الحديث كيف يقع الناس في الشرك، نقول: قد أخبر النبي – صلى الله عليه وسلم – «بأنه لن تقوم الساعة حتى تعبد اللات والعزى، ولن تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس على ذي الخلصة» فسيرجع الناس لعبادة الأصنام في آخر الزمان، فما دام أن الأمر كذلك إذاً لابد من سد جميع الذرائع الموصلة للشرك، وأول ما وقع الشرك في قوم نوح كان بسبب تعظيم الصور، لكن الصور النصب التي وضعوها، وضعوا نصبا، يعني القصة المشهورة أنه كان هناك أناس صالحون، معروفون بالقوة في العبادة، فماتوا في وقت متقارب، فحزن عليهم قومهم حزنا شديدا، فأتى إليهم الشيطان وقال: صوروهم، وليس المقصود التصوير المعروف الآن، المقصود بالتصوير ضعوا لهم نصبا يعني نصب مجرد نصب، قال: حتى إذا رأيتموها تذكرتم عبادتهم فنشطتم في العبادة، انظر إلى مداخل الشيطان، ما قال: الشيطان صوروها لأجل كذا أتى بهم من طريق بعيد، حتى تنشطوا في العبادة، فاستحسنوا هذه الفكرة، فوضعوا هذه النصب والتماثيل لأولئك الصالحين، لما انقرض هذا الجيل وأتى الجيل الذي بعده قالوا: إن آبائنا ما وضعوا هذه النصب والتماثيل إلا لعبادتها فعبدوها من دون الله فوقع الشرك في بني آدم، إذاً تعليق ما كان معظما هذا لا يجوز، تعليق الصور لا يجوز؛ لأنه ذريعة لتعظيمها التعظيم الذي قد يفضي إلى الشرك، هذا هو الضابط الثاني.

الضابط الثالث: ألا تكون صورا لأموات؛ لأن الغالب على الأحياء تعظيم الأموات، ولأن صور الأموات قد تفضي أيضا لوقوع الشرك، ولأن الميت قد يتأذى ويتعذب بتناقل وتداول صورته، إذا كان الميت يعذب ببكاء الحي عليه، إذا كان الميت يعذب ببكاء الحي عليه فكيف بتناقل وتداول صورته؟ وأيضا هذا نوع من التعدي على هذا الميت، هذا أفضى إلى ربه، ولا يرضى بأن تتداول صورته بهذه الطريقة، ثم أيضا هذا قد يكون فيه منافاة لكمال الصبر الواجب عند المصيبة، فيكون فيه نوع من الجزع، فإذاً تكون الصور بهذه الضوابط الثلاثة.

إذا قلنا التصوير الفوتوغرافي والتلفزيوني إنه يدخل في دائرة الصور الجائزة على ذلك الصور مثلا في التصوير الدورة بهذه الكميرا لا حرج فيها إن شاء الله على هذا التقرير، التصوير أيضا في الجوال، الصور في الجوال، وأيضا لا تمنع دخول الملائكة، والحمد لله.

إذا ما هي الصور المحرمة، إذا قلنا الصور الفوتوغرافية والتلفزيونية ليست هي الصور المحرمة والمقصودة في الشرع ما هي الصور المحرمة التي وردت النصوص بالتشديد فيها «أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون» «لعن الله المصورين»ما هي الصورة المحرمة؟

نقول: الصور المحرمة هي ما تحقق فيها علة المضاهاة لخلق الله، علة المضاهاة لخلق الله تحقق الآن في أي شيء؟

التماثيل ذوات الأرواح هذه بالإجماع أنها صور محرمة، أن يوضع تمثال لإنسان أو تمثال لحيوان، هذه الصور بالإجماع هذه تمنع دخول الملائكة، ومن يفعلها وقع في كبيرة من كبائر الذنوب، هذه التماثيل لا تجوز، والصور ذوات الأرواح وهذه تجد مع الأسف تجد مثل هذه التماثيل تجد أحيانا صور كاملة لأسد، لحيوان من الحيوانات، أو صورة لإنسان منحوتة لتمثال إنسان هذه الصور المحرمة، هذا الشيء.

الشيء الثاني: رسومات ذوات الأرواح وإن كانت أخف من التماثيل من جهة وقوع الخلاف فيها، وأما التماثيل بالإجماع أنها صور محرمة، لكنها وقع فيها الخلاف هل يعني الصورة لا يشترط أن يكون لها ظل، الصحيح أن الرسومات ذوات الأرواح أنها محرمة، ومما يدل لذلك قصة الستر الذي وضعته عائشة – رضي الله عنها – لما دخل عليها النبي – صلى الله عليه وسلم – وعندها ستر فيه رسومات، فغضب النبي – عليه الصلاة والسلام – وقال: «أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون» وأمر بهتك الستر، فصنع منه وسادة أو وسادتين، الرسومات فيها محاكاة لخلق الله، ولهذا تجد أن الرسام لو رسم صورة إنسان يتعجب الناس منه كيف هذه الرسمة؟ كأنها صورة حقيقية، ففيها محاكاة ومضاهاة لخلق الله – عز وجل – ولهذا فهذه الرسومات نقول: إنها من الصور المحرمة، وتمنع دخول الملائكة، وينبغي الإنكار فيها، وهذه مع الأسف يتساهل فيها بعض الناس، يرسمون ذوات الأرواح، وأحيانا تكون على وسائل التواصل الاجتماعي أيضا، ينبغي التنبه والتنبيه لها أنها حتى وإن التصوير الفوتوغرافي إلا أن هذه الرسومات لا تجوز ما دامت أنها لذوات الأرواح لأن علة النهي عن التصوير فيها منطبقة عليها تماما، وأن ذكرت هذا لإحدى القنوات المحافظة هم لا تظهر عندهم صور نساء، وليس عندهم موسيقى لكن يعني يتساهلون باجتهاد من بعض العاملين في بعض البرامج تكون هناك رسومات لذوات الأرواح، فقلت: إذا كانت الفئة المستهدفة من الكبار لا تجوز، أما إذا كانت رسومات للصغار مثل: رسومات المتحركة للصغار فهذه يتسامح فيها؛ لأن الصغار يجوز لهم من الصور ما لا يجوز للكبار، وقصة عائشة – رضي الله عنها – لما مر بها النبي – صلى الله عليه وسلم – وكانت صغيرة في أول أمرها، وكان عندها صورة فرس له جناحان، فقال – عليه الصلاة والسلام - : «ما هذا؟» قالت: هذا فرس،  قال: «وهل للفرس له جناحان» قالت: أما علمت أن خيل سليمان لها جناحان، فضحك النبي – صلى الله عليه وسلم – ولأن الصورة بيد الطفل كالممتهنة، بالنسبة للأطفال يتسامح بحقهم، أما كبار فلا، فإذا كانت الفئة المستهدفة بهذه الرسومات الكبار هذه لا تجوز، وتمنع من دخول الملائكة، وهذه من القضايا التي يتساهل فيها كثير من الناس.

إذاً نحصر الصور المحرمة فيما انطبقت عليه علة النهي عن التصوير وهي المضاهاة لخلق الله هذا هو الضابط، الضابط: أن الصور المحرمة إنما تكون فيما انطبقت عليه علة النهي عن التصوير، وهي المضاهاة لخلق الله – عز وجل -.

هذا حاصل كلام أهل العلم في هذه النازلة.

 

* * *