لا يزال اهتمام الناس بالأحلام والرؤى وتفسيرها منذ القدم، فلم تنفع العولمة أو انشغال الناس بالأحداث والمواقف المختلفة للتقنين أو الحد من البحث والتقصي عمن يفسر لهم أحلامهم ورؤياهم، ووسائل الإعلام المختلفة أفردت مساحات واسعة لتلبي رغباتهم في ذلك، فهل يبحثون عمن يحقق أمانيهم عبر أحلامهم؟
ويختلف المفسرون في التفسير بناء على العديد من الأمور من بينها التفريق بين تعريفهما، فهل يستيقظ الإنسان من نومه ليفرق بين أحلامه فتهدأ نفسه، العديد من الأمور نناقشها في هذا التحقيق.
رأي الدين، بداية الحديث مع الدكتور سعد بن تركي الخثلان عضو هيئة التدريس في كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وأولى الاستفسارات حول كيفية التفريق بين الحلم والرؤيا من الناحية الشرعية:
فأوضح أن الرؤيا من الله عز وجل والحلم من الشيطان، وهذا هو أبرز الفروق، فالرؤيا من الله وذلك أن الملك يضرب المثل في المنام فيرى الإنسان الرؤيا، أما الحلم فإنه يكون من عبث الشيطان بالإنسان أثناء النوم، وأيضا من علاماته أن الحلم يكون في الأشياء المفزعة والمحزنة للإنسان لأن الشيطان حريص على إحزان الإنسان خاصة المسلم كما قال الله عز وجل {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا} [سورة المجادلة، الآية: 10].
ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: «إذا رأى أحدُكم ما يُحِبُّ فلا يُحدِّثُ به إلا مَن يُحِبُّ، وإذا رأى ما يَكرَهُ فلْيَتعوَّذْ باللهِ مِن شرِّها، ومِن شرِّ الشيطانِ، ولْيَتفُلْ ثلاثًا، ولا يُحدِّثُ بها أحدًا، فإنها لن تَضُرَه» (صحيح البخاري [7044]) ففرق النبي صلى الله عليه وسلم بين ما إذا رأى الإنسان ما يحب أو رأى ما يكره، وبين أن رؤية الإنسان ما يحب أن هذا من الرؤيا، وأما إذا رأى ما يكره في منامه فهذا من الشيطان، كذلك من الفروق أن الحلم يكون غير واضح ويتذكر الإنسان منه شيئًا ولا يتذكر أشياء، بينما الرؤيا تكون محددة وواضحة يتذكرها الإنسان بسهولة.
أوقات الرؤيا والجزم بالتعبير عن وجود أوقات معينة لصحة الرؤية علمًا أن بعضهم يحلم في أوقات مختلفة وتتحقق الرؤيا:
أبان د.سعد بأنه ليس هناك أوقات معينة لصحة الرؤيا فيمكن للإنسان أن يرى الرؤيا في أي وقت ينام سواء كان في اليل أو النهار، ولكن جاء في بعض الأحاديث أن أصدق الرؤيا بالأسحار، وهذا في الجملة أن أصدق ما يكون من الرؤيا في وقت (السحر) يعني آخر الليل، لكن لا يمنع هذا من صحة الرؤيا في أوقات أخرى، فليس هناك إذاً أوقات معينة لصحة الرؤيا.
ويقع الحلم على ما يفسر عليه فكيف؟!
ذلك هو ما أوضحه د. الخثلان حيث قال: قد يقع وقد لا يقع ولذلك لما طلب أبو بكر رضي الله عنه من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعه ليؤول الرؤيا فأولها أبو بكر فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «أصبت بعضًا وأخطأت بعضًا»، فقال: "أقسمت عليك أن تخبرني بالذي أخطأت فيه"، قال: «لا تقسم» (صحيح البخاري [7046]). فدل ذلك على أنه قد يخطئ المعبر في تعبير الرؤيا وليس بالضرورة أن يكون التعبير صحيحًا، فإذا كان أبو بكر رضى الله عنه وهو أعلم الصحابة بالشريعة ومن أعلمهم بالتعبير ومع ذلك قال له النبي صلى الله عليه وسلم أخطأت بعضًا، فما بالك بغيره، لذلك قد يخطئ المعبر فليس بالضرورة أن تقع الرؤيا على ما فسرت عليه، فقد تقع وقد لا تقع، ولهذا ينبغي على المعبر ألا يجزم بالتعبير وإنما يأتي بصيغة تدل على أنه ربما يقع وربما لا يقع، أويقول: إن صدقت رؤياك فربما يحدث لك كذا وكذا من غير جزم، والجزم بالتعبير في الرؤيا أنا أعتبره منهجًا غير سديد، ولهذا في قصة يوسف عليه السلام في قوله تعالى: {وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ} [سورة يوسف، الآية: 42] مع أن يوسف عليه السلام علمه الله تعالى تعبير الرؤيا ومع ذلك ظن، قال للذي (ظن)، فما نسمعه من الجزم من بعض المعبرين في تعبير الرؤيا أنا أعتبر هذا خطأ، وأن هذا منهج غير سديد وينبغي أن يقول المعبر أصدقت رؤياك ربما يكون كذا وكذا فيأتي بصيغة تدل على الاحتمال.
وأحيانًا يكون ظاهر الرؤيا أو الحلم غير محبب للنفس، ولكن باطنه أي تفسيره خير فيستعيذ الإنسان على أنه شر:
يقول د. سعد: هذا صحيح ويقع أو لا. إذا كانت الرؤيا فيما يحزن الإنسان أو في أمور غير محببة ينبغي أن يتعوذ بالله منها ومن الشيطان وألا يذكرها لأحد، لكن لو ذكرها وعبرت فربما تقع على ما عبرت عليه، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: «الرؤيا على رجل طائر فإذا عبرت وقعت» فهذا يدل على أن التعبير قد يكون سببًا لوقوع ما عبرت به، ولهذا نحن نقول أن الإنسان إذا كانت الرؤيا في أمر يحزنه أو يكره ألا يذكر ما رآه في المنام لأحد، ومع ذلك كما ذكرت قد يذكر ذلك لأحد المعبرين ويكون المعبر ناصحًا فيعبره على أحسن ما تحتمله فتقع على ذلك فهذا ممكن، لكن المنهج الشرعي هو أن الإنسان لا يتحدث في الأمور التي رآها في منامه مما يكره، ولأنه قد تعبر على الوجه المكروه وقد تكون ليست رؤيا فقد تكون مجرد حلم من الشيطان.
حلم غير المسلم؛ بماذا يفسر تحقق حلم غير المسلم؟
يبين ذلك د. الخثلان بقوله: لا يشترط أن تكون الرؤيا من المسلم فقد تكون من غير المسلم ولذلك في قصة يوسف عليه الصلاة والسلام التي ذكرها الله تعالى في القرآن أن الملك رأى رؤيا: {وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} [سورة يوسف، الآية: 43] فهذا الملك كان كافرًا بدليل قوله تعالى: {مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ} [سورة يوسف، الآية: 76] وقال: {مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ} [سورة يوسف، الآية: 40] فهذا الملك لم يكن مسلماً بل كان كافراً ومع ذلك صدقت رؤياه على ما عبرها به يوسف عليه الصلاة والسلام، وأيضا اشتهر أن فرعون رأى رؤيا وقد فسرت وعبرت له بأن ملكه يزول على يد غلام من بني إسرائيل وقد تحققت هذه الرؤيا وحصل ما ذكر على يد موسى عليه الصلاة والسلام، فهذا يدل على أنه لا يشترط لصحة الرؤيا أن تكون من مسلم فقد تكون من مسلم وقد تكون من كافر وتتحقق.
أما مدى صحة أن الرؤيا أو الأحلام تكون للتحذير أو التبشير:
أفاد د. سعد الخثلان أن هذا صحيح، فالفائدة من الرؤيا البشارة أو النذارة ولا يستفاد منها في أحكام شرعية ولا يبنى عليها أحكام حلال وحرام، وإنما فقط هي تبشير أو تحذير، هذه المقولة صحيحة فهذه هي الفائدة من الرؤيا فإما تكون بشارة للمسلم يفرح بها ويسر بها أو تحذير له من أمر هو واقع فيه أو سيقع له ونحو ذلك، ولذلك لا يصح أن يبنى عليها أحكام شرعية ولا يصح أن يبنى عليها أمورًا، وإنما فقط غايتها البشارة أو النذارة فقط.