الخثلان
الخثلان
حكم السعي في المسعى الجديد
24 جمادى الأولى 1437 عدد الزيارات 2430

ما حكم السعي في المسعى الجديد؟

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين وبعد:

فقد كثر الحديث والتساؤلات عن المسعى الجديد، وهل يجزىء السعي فيه فأقول وبالله التوفيق:

لم يختلف العلماء في أن الواجب في السعي هو مابين جبلي الصفا والمروة لقول الله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّـهِ ۖ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [سورة البقرة، الآية: 158]، ولكن وقع الخلاف بين العلماء المعاصرين في تحقيق مناط هذه المسألة -بعد التوسعة الجديدة- فمنهم من يرى أن حدود جبلي الصفا والمروة لايتجاوز حدود المسعى الحالي (القديم)، ومنهم من يرى أن حدود جبلي الصفا والمروة أوسع من ذلك، والعلماء والمؤرخون قاموا بجهد كبير في تحديد كثير من المواضع في المسجد الحرام -وفي مكة عمومًا- تحديدًا دقيقاً حتى إنه كانوا يحددون بالأصابع، ولم أقف على تحديد لعرض جبلي الصفا والمروة، وربما أنه لم يخطر بالهم احتياج الناس لتوسعة المسعى نظراً لقلة الناس فيما مضى، وقد ذكر الأزرقي في كتابه (أخبار مكة [2/119]): "أن عرض المسعى خمسة وثلاثون ذراعًا ونصف (أي سبعة عشر مترًا و4 سنتيمترات)، وذكر غيره تحديدات قريبة من هذا، وهي إنما كان فيها تحديد لعرض المسعى في زمانهم وليس فيها تحديدًا لجبلي الصفا والمروة، فلا يصح الاحتجاج بها، قال مجاهد بن جبر: "هذا بطن المسيل الذي رمل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن الناس انتقصوا منه" (رواه ابن أبي شيبة)، والذي يظهر والله أعلم أن حدود جبلي الصفا والمروة أوسع بكثير من حدود المسعى الحالي (القديم) كما تشير لذلك بعض أشعار العرب، ومن ذلك قول الأعشى الشاعر المشهور (المتوفى في السنة السادسة من الهجرة) هاجيًا عمير بن المنذر:

فما أنت من أهل الحجون ولا الصفا *** ولا لك حق الشرب من ماء زمزم

(ديوان الأعشى ص 214). 

وهذا يدل على اتساع جبل الصفا وأنه موضع للسكن والاستقرار، وليس هو الحجر الأملس بدليل أنه قابله بذكر الحجون وهو جبل متسع محل للسكنى.

ويقول مضاض بن عمرو بن الحارث:

كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا *** أنيس ولم يسمر بمكة سامر

(أخبار مكة [1/97]).

ويقول قصي بن كلاب في قصيدة مشهورة:

أنا ابن العاصمين بني لؤي *** بمكة مولدي وبها ربيت
ولي البطحاء قد علمت معد *** ومروتها رضيت بها رضيت

(السيرة النبوية لابن هشام [1/135]، أخبار مكة [1/107]).

والشاهد قوله (ومروتها رضيت بها رضيت) وهو يشير إلى اتساع المروة وأنها محل للرغبة والتملك والسكنى ولهذا أشار إلى رضاه بها.

وهذه الأشعار وغيرها مما هو مذكور في كتب الشعر والأدب تدل على اتساع جبلي الصفا والمروة وأنه قد كان هناك من الناس من كان ساكنًا على جبلي الصفا والمروة، وفي الوقت الحاضر شهد بذلك أكثرمن عشرة شهود من كبار السن الذين عاصروا بعض معالمهما قبل إزالتها.

والحاصل: أن الأقرب في هذه المسألة هو أنه لابأس بالسعي في المسعى الجديد، وأن المسعى الجديد يحده الصفا والمروة فمن سعى فيه فقد سعى بين الصفا والمروة وأتى بهذا الركن - أو الواجب- المطلوب شرعًا عند أداء النسك، والله أعلم.

حرر في 17/3/1429هـ